حساسية المثقف تجاه الصحافة

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لا يزال بعض الكتاب والأدباء يجدون جاذبية ما في نقد الصحافة الورقية، وذلك برغم ذلك الحديث الذي لا ينقطع عن تراجعها وتبشير الكثير باقتراب اختفائها من الساحة الإعلامية.

في روايته الأخيرة «خمس زوايا» يقدم الروائي البيروفي الحاصل على نوبل في الآداب ماريو بارغاس يوسا نقداً مريراً للصحافة، ويبرز دورها في ترويج الأكاذيب، وتشويه سمعة البشر، والقيام بأدوار اجتماعية ضارة. والملاحظ أن الصحافة الورقية كانت دائماً مجالاً مغرياً للأدب، والقائمة تطول، عربياً وغربياً، فهناك «الرجل الذي فقد ظله» لفتحى غانم، و«اللص والكلاب» لنجيب محفوظ، أما «العدد صفر» وهي آخر رواية للناقد الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو، فقدمت هجاءً قاسياً للصحافة، من خلال مجموعة من الصحفيين الذين يعقدون اجتماعات يومية استعداداً لصدور جريدة جديدة، وفي كل مرة لا يجدون ما يستطيعون الكتابة عنه نظراً لعوامل سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية، وتنتهي الرواية من دون صدور «العدد صفر».

الملاحظ كذلك، أن معظم ما كُتب في نقد الصحافة الورقية اتسم بحس أخلاقي، فالصحفي في تلك الأعمال شخص انتهازي لا همّ له إلا تحقيق مصلحته الذاتية، والوصول إلى المناصب القيادية، والاقتراب من دوائر صنع القرار، أي اللهاث وراء السلطة والثروة والمكانة، وفي طريقه لتحقيق كل ذلك لا يهتم بأي معيار أو قيمة أخلاقية. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا الصحافة الورقية تحديداً ؟ لقد عاصر معظم من ذكرناهم الإعلام المرئي ولم يكتبوا عنه، أما رواية «يوسا» فصدرت في ظل صعود الإعلام الرقمي، ومع الأخذ في الاعتبار بذلك السيل الذي لم ينقطع والذي كتبه منظرون ومفكرون في نقد وتحليل الإذاعة والتلفزيون وأيضاً الصحافة الورقية، فبإمكاننا القول إن هناك حساسية ما يجدها الأديب تجاه الصحافة الورقية حتى وهي في مرحلة «الأفول».

هل تعود تلك الحساسية إلى بيئة العمل الصحفي الخصبة والمليئة بالتعقيدات والتناقضات؟ فضلاً عن مراحل صدور الصحيفة ومناخها، وكلها عوامل تختلف بالتأكيد عن بيئة العمل في التلفزيون، وتغري بالكتابة الأدبية، أما بيئة العمل الرقمية فلا تزال في بداياتها. هل الصحفي شخصية ثرية إنسانياً فرض عليه عمله الكثير من التناقضات التي يجد نفسه متورطاً فيها كل يوم بما يضعه في محنة الاختيار، الأمر الذي يؤهله لكي يكون بطلاً درامياً من الطراز الأول. أم أن المسألة ببساطة ترجع إلى أن معظم أولئك الأدباء عملوا مباشرة في الصحافة أو تعاقدوا للكتابة في إحدى الصحف، ومنهم كل النماذج التي سبق ذكرها، الأمر الذي وضعهم على تماسّ مباشر مع بيئة العمل الصحفي؟.

تتعدد أسباب نقد الأدب للصحافة الورقية والعاملين فيها، وهو نقد يصل إلى حد الهجاء اللاذع، حتى أنه يندر العثور على إيجابية ما للصحافة في تلك الأعمال، ولكن العامل الرئيسي يكمن في تلك العلاقة المعقدة والمركبة بين المثقف والصحافة، فالمثقف لم يجد أمامه مهنة إلا الصحافة، فالكتابة الأدبية لا تحقق الاستقرار المادي، أما الصحافة فلم تمنح المثقف غالباً فرصة الظهور التي ترضي غروره، ولكن تلك قصة أخرى طويلة.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"