في انتظار نحاة العاميّة

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أنت مصرّ على أن العاميّة لن تكون لها آثار سلبية في المستقبل؟ هل تتابع بفخر الهوية، واعتزاز الشخصية، اللغة السائدة في الشبكة، المنسابة على ألسنة الناس؟ لا تظنن أن العامية لغة المراهقين، حاشا، فهؤلاء شكلوا حزباً لسعيد عقل، بل تجاوزوه بآماد. لكنهم لا يملكون نبوغ سعيد عقل، لا في اقتداره في الفصحى، ولا في شاعريته وغنائيته في «اللغّة اللبنينيّة»، تشديد الغين ضرورة. طاروا بعيداً منه، بغير عقل، فلا عربيتهم فصحى ولا عامية، ولا هي عربية ولا إنجليزية: عَرَجْليزية، حتى الأبجدية، لا هي عربية ولا لاتينية. إبداع! 
هل أبشّرك بما هو أدهى؟ في تونس، الجزائر، مصر، لبنان، تسونامي لهجات يجتاح فئات، يتوهم الغافل انتشار الوعي في صفوفها، من النواب والمسؤولين والفنانين والقائمة تطول. هؤلاء مأزقهم طريف، يهربون من القطرة إلى الميزاب. هم يفرّون من الكتابة بالفصحى، لخوفهم افتضاح أمرهم، حين يستعين القراء العارفون بالآلة الحاسبة لعدّ الأخطاء وإحصاء الأغلاط. هنا يواجهون مشكلة أخرى، هي أنه ليس في الإمكان الكتابة، أيّ كتابة في أي لغة أو لهجة، من دون منظومة قواعد نحو وإملاء. هنا، أين المنقذ من الضلال، والشافي النطاسي من الاعتلال، ومقوّم الاختلال؟ حتى هذه الساعة، عجزت العامية عن إنجاب سيبويه والفراء وابن جني وعبد القاهر الجرجاني، في كل لهجة من اللهجات الاثنتين والعشرين في بلدان العالم العربي. لكن، كذب الظن، ففي كل بلد عشرات اللهجات العاميات.
هذه الظاهرة طبيعية في كل اللغات، فاللغة تنشأ وينبت في تربتها أدب وينمو، ثم تطل رؤوس النحاة وعلماء اللغة. الشعر الجاهلي يشكل تكنولوجيا لغوية متطورة جداً. ليقل ألف مشكك ما طاب لهم في أشعار الجاهليين، وفي تلك الآراء ما هو أكثر من صائب ومعقول ومنطقي أو جدير بالبحث والدراسة، ولكن أيّ عقل خبير بأسرار اللغة والأدب، يمكن أن يتصور إمكان ظهور ستة عشر إيقاعاً شعرياً بأشعار شتى، وصور خيال رائعة، بصرف النظر عن قيمة الأفكار وقيمها، كل ذلك في سنين معدودة أو حتى قرن؟
 الشعر الجاهلي، مثل روما، لا يبنى صرحه في ليلة. سرحنا. تهنا. في العامية صار لنا عالم من بدائع الجمال شعراً ونثراً، يكفي بيرم التونسي والأبنودي... نموذجاً، فانتظروا قواعدها.
لزوم ما يلزم: النتيجة: الفتحية: الله يفتح، فيظهر من هذه الجيوش الجرارة في سوح العاميّة، عباقرة ليضعوا علوماً للهجات، فنتعلم ما تيسّر، فينطبق المثل: «بعد ما شاب، ودّوه للكتّاب».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"