معارك مصر بعد «أكتوبر»

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

تظل حرب أكتوبر هي أم المعارك التي خاضتها مصر في التاريخ المعاصر، معركة العزة والكرامة التي استعادت فيها، وبفضل انتصارها العظيم، أرضها المحتلة، وأثبتت عدم جدوى المعلبات الإعلامية التي يسوّقها الغرب عالمياً لترهيب بعض الدول، وأن محاولات ترسيخ «الجيش الذي لا يقهر»، كانت رسالة إلى مصر وأشقائها للتسليم بالأمر الواقع، ونسيان سيناء والأراضي التي احتلتها إسرائيل عام ١٩٦٧؛ وجاءت حرب أكتوبر لتغيّر كل المعادلات، وتحطم الحواجز، وتكشف زيف الإعلام العالمي الموجّه وأغراضه الخبيثة.

مصر المعاصرة لم تتوقف عن خوض المعارك بعد أن وضعت الحرب أوزارها، حماية للأمن القومي المصري ودفاعاً عن مكتسبات الشعب وحفاظاً على وحدته، وصدّاً للفتنة التي تستهدف اختراقه وتفتيته، وإذا كانت مصر حققت الانتصار العظيم في أكتوبر إلا أنها لم تستعد أرض سيناء كاملة إلا بعد خوض معركة السلام، وأثمرت إتمام الانسحاب من كامل أرض سيناء في ٢٥ إبريل/ نيسان ١٩٨٢، باستثناء منطقة طابا، لتخوض مصر معركة دبلوماسية لاستعادتها انتهت باللجوء للتحكيم الدولي، حتى تحقق لها الانتصار واستعادت آخر حبة من رمال طابا في عام ١٩٨٩، بعد ١٦ عاماً من الانتصار العظيم.

ومن المعارك الطويلة التي تخوضها مصر منذ حادث المنصة، ولا تزال مستمرة، الحرب على الإرهاب، بعد أن اتخذت الجماعات الضالة الترهيب والعنف وقتل السياح والأبرياء واستهداف المسؤولين ورجال القوات المسلحة والشرطة، وسيلة لإضعاف الدولة تمهيداً لاعتلاء عرشها، ثم هدمها، ليتم على أنقاضها بناء دولة ليست للمصريين، ولن يكونوا لها، دولة تبتلع كامل المساحة العربية وتنتهج التطرف سبيلاً، والترهيب والترغيب أداتين للحكم.

الترهيب لرافضيها، والترغيب للملتحقين بركبها، ونجحت الجماعة الضالة في ساعات من غياب الوعي في أن تعتلي العرش وتتوعد الشعب بالويل والثبور وعظائم الأمور بعد أن أطلقت قادة الإرهاب وأمراء القتل من السجون، واستخدمتهم وسيلة لنشر الخوف بين الناس؛ ولكن الشعب المصري لم يستسلم، وشارك بكل فئاته في الحرب ضد إرهاب الجماعة ليقتلعها من الحكم، ويعدّل الأوضاع المعوجّة، وتعود مصر إلى أهلها في ٣٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٣، لتزداد الحرب شراسة بين الدولة والشعب من جانب، والإرهابيين من جانب آخر، حتى نجحت الدولة في استئصال الإرهابيين من أرض سيناء.

مصر حققت انتصاراً في حربها الأطول ضد الإرهاب، واكتسبت خبرات، تضاف إلى رصيدها، في الحرب ضد العصابات الإرهابية التي تختلف بشكل كامل عن حروب الجيوش النظامية، ولكنها لا تزال تخوض معركة ضد ذباب الإرهابيين الإلكتروني الذي يستغل فضاء الإنترنت في خلق البلبلة ومحاولة نشر اليأس بين الفئات المحبطة اقتصادياً، وترويج الشائعات الهدّامة، وهي الحرب التي تخوضها العديد من الدول، وعلى رأسها المستقرة سياسياً، ولن تنتهي في المستقبل المنظور، ويمكن أن تتطور أدواتها حسب التطورات المتسارعة في عالم الذكاء الاصطناعي، ومستجدات الفضاء الإلكتروني.

مصر خاضت أيضاً، وبنجاح شهد له العالم، معركة الإصلاح الاقتصادي التي بدأت بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، ورفع الدعم عن البنزين والسولار والكهرباء، وتنظيم صرف السلع التموينية، وهي المعركة التي شارك فيها جميع أفراد الشعب، وتحمّلت مصاعبها الفئات الفقيرة والمتوسطة، وحسب خبراء الاقتصاد فقد تم تجاوز المراحل الأصعب في هذه المعركة التي ينتظر أن يكون لها مردود إيجابي على حياة الناس.

معركة كبرى خاضتها مصر خلال السنوات الأخيرة جنباً إلى جنب الحرب على الإرهاب، وهي معركة البناء والتعمير والتجديد والتطوير التي انطلقت على جميع أراضي مصر، حيث تطوير المناطق الأثرية والتاريخية في المدن العتيقة، وبناء ٢٢ مدينة جديدة وعلى رأسها العاصمة الإدارية بأحدث تجهيزات مدن المستقبل، وتزامن مع ذلك تطوير الطرق والموانئ وتحديث المصانع، واستصلاح أراض صحراوية، وإطلاق أول مبادرة من نوعها وهي «حياة كريمة»، لتطوير الريف وتزويده بمستلزمات العصر التي تضمن توفير حياة كريمة لأبنائه.

حرب أكتوبر ستظل خالدة في الوجدان المصري والعربي، ومعارك السلام والتحرير والبناء والتعمير هي الضمانة للانطلاق إلى المستقبل والتحرر من قيود الماضي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"