التسويق الشخصي بين الضرورة والمبالغة

21:13 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم

من طبائع النفس الإنسانية، الرغبة في التميّز واكتساب إعجاب واحترام الآخرين. فلو ألقينا نظرة فاحصة على عددٍ كبيرٍ من السلوكات البشرية، محاولين اكتشاف دوافع تلك التصرفات، لوجدنا هذه الرغبة تقف شاخصةً خلف العديد منها.

لا يشذ سلوك المهنيين بشكل عام عن هذه القاعدة، فرغبة الظهور وكسب الاحترام موجودة في القطاع المهني لا بل إنها أكثر وضوحاً وأشد وطأة، يمكننا تفهّم هذه النزعة لدى المهنيين بشكل خاص فاشتداد المنافسة ووفرة الكفاءات عادية المستوى تدفع نحو التميز والتفرد، ومحاولة حجز مساحة في منطقة المبدعين. أضف إلى ذلك أن التخمة في إنتاج ومشاركة البيانات، والضوضاء على منصات التواصل الاجتماعي التي تخلط بين الغث والسمين، لها القدرة وبسهولة على طمس الكثير من الإنجازات التي تستحق الإشادة، وإغراق العديد من الأعمال الفذة التي تستوجب الاطلاع والاستلهام منها.

في خضم هذا السعي نحو التسويق الشخصي المبرر، ومحاولة إبراز الأعمال والإنجازات الشخصية، نرى البعض وقد انجرف بعيداً عن تلك الحاجة، وذاك الدافع، فانزلق إلى هوة التضخيم والمبالغة والتكرار، وأمعن البعض في ذلك فوصلوا إلى مرحلة الابتذال.

ينقسم المغالون في تسويق أنفسهم إلى فريقين؛ الفريق الأول يعتقد أنه يُظهر الحق ويخدم الموضوعية فهو يشارك الآخرين ما أنجزه وما حققه، ولكنه من دون قصد يضخم أعماله وإنجازاته فيطيل القصير ويكبّر الصغير منها. أما الفريق الثاني، فهو الذي يدرك تواضع إنجازه وضآلة عمله فيمتهن وضع المساحيق وتجميل ما هو قبيح، ويكون في ذلك قاصداً واعياً ما يؤدي إلى ظهور تصنّعه للآخرين وبيان فقره وقلة حيلته.

وكما ينقسم المغالون ينقسم المتلقون أيضاً في تفاعلهم مع التسويق الشخصي المبالغ فيه والذي هو في غير مكانه، فبعضهم يمتلك القدرة على كشف هذا الزيف بشكل مباشر فيتجاهلونه أو يتقبلونه بفتور أو على مضض، وقسم آخر يتلقى ويتأثر فيقتنع بأهمية ما يرى وينشده بحسن ما يقرأ، ولكن مع مرور الوقت، يعود أغلب هؤلاء المشدوهين إلى رشدهم فيتكشف لهم الزيف، ويسقط هذا المغالي من المكان الذي وضعوه فيه.

وإن كنت مقتنعاً أن التشخيص هو نصف العلاج، إلّا أنني سأمضي قدماً وأشارك مجموعة من النصائح للمهنيين المبالغين عسى أن تجد في أنفسهم وقعاً، وتكون لأمرهم صلحاً.

قبل أن تنشر إنجازك الأخير أو تتحدث عن نشاطك القادم، أنفق قليلاً من الوقت متمعناً في النصائح ال10 التالية:

- تجنّب إظهار الأنا أكثر من اللازم في المحتوى الذي تقدمه.

- حاول مشاركة المحتوى الأصيل والإقلال من النسخ والنقل.

- لا تكرر نشر أخبارك وأنشطتك بشكل مُلح ومبالغ فيه.

- احرص على تسويق نفسك من خلال القناة والمنصة المناسبة.

- لا تبرز إنجازاتك فقط وتتجاهل إنجازات الآخرين.

- كن واقعياً وتجنّب المبالغة في إظهار أهمية ما أنجزت أو عملت.

- حاول التركيز على المحتوى الذي يقدم قيمة أو معلومة أو خبراً للمتلقي.

- تجنّب قدر الإمكان الخلط بين المهني والشخصي في مكان واحد، لكل مقام مقال.

- لا تبالغ في الترويج لأعمالك ذات المردود المادي، ولا تتقمص دور البائع.

- تجنّب تملق الآخرين والإكثار من المداهنة في غير موضعها.

أصبح التسويق الشخصي اليوم ضرورة، ولا يمكن لأي مهني طموح تجاهله. ولكن من السهل الخروج من حدود التسويق الشخصي الموضوعي إلى المبالغة والابتذال، فلنبقي تلك الحدود في أذهاننا حاضرة، ولنجهد في الالتزام بها في حياتنا المهنية، عسى أن نكون بذلك إلى النجاح أقرب وإلى التميز أدنى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"