دروس أفغانية

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

لسنوات طويلة سيظل الخبراء والمحللون الأمريكيون يُخضعون ملف الحرب الأفغانية للتحليل والدراسة واستخلاص النتائج. والمناقشات الساخنة التي لم تتوقف منذ الانسحاب ليست أكثر من البداية، ومع ذلك أسفرت حتى الآن عن المئات من الدراسات والتقارير.

وكشأن أي قضية كبرى يختلف الباحثون في تقييمهم ورؤيتهم وتناولهم لها وفقاً لتوجهاتهم واجتهاداتهم، إلا أن المتابع لهذا الفيض الضخم سيكتشف بسهولة وجود اتفاق عام حول نقطتين؛ الأولى أن الانسحاب العسكري تم بصورة سيئة ومتخبطة، بصرف النظر عن تأييده كقرار، أو رفضه.

والنقطة الثانية هي أن الولايات المتحدة لم تحقق الأهداف الثلاثة التي أعلنتها عند بداية الغزو، وهي تدمير «القاعدة»، وإنهاء حكم «طالبان» التي وفّرت لها الملاذ الآمن، وأخيراً، تحويل أفغانستان لدولة عصرية مدنية ديمقراطية، أو إخراجها من العصور الوسطى، بتعبير الكثير من الكتاب.

وفي نهاية المطاف، خرجت أمريكا وبقيت القاعدة حتى ولو تشرذمت، بل خرج من أشلائها ما هو أسوأ منها أي تنظيم «داعش». وعادت حركة «طالبان» للحكم. أما أفغانستان الديمقراطية المدنية العصرية فلم تخرج إلى الوجود بعد.

ويحاول الدارسون الأمريكيون تقديم تفسيرات لتلك النتائج العكسية. ومن بين عشرات الدراسات سنتوقف عند تقرير أعده مكتب المفتش العام الأمريكي المختص بإعادة الأعمار، من ناحية أنه جهة حكومية محايدة تنأى بنفسها عن الحسابات السياسية أو المكايدات الحزبية. ومن ناحية ثانية، لأن التقرير لم يقتصر على تفسير الفشل، لكنه حاول استخلاص الدروس لتجنب تكرار الأخطاء نفسها في تجربة أخرى مستقبلاً.

ويرى التقرير أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقعت في تناقضات حقيقية بين ما حاولت تحقيقه، وما فعلته. على سبيل المثال، حاولت اجتثاث الفساد المتفشي في البلاد، لكنها أغدقت المليارات على الأجهزة الحكومية الفاسدة نفسها، لتنفيذ خطط إعادة الأعمار وتسيير دفة الحكم، ما زاد المشكلة تعقيداً. وحاولت تحسين أداء الحكومة والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب، لكنها ظلت حريصة على استقرار الوضع القائم ما أدى إلى بقاء الفاشلين والفاسدين في مواقعهم، وذهبت جهودها أدراج الرياح.

وسعت إلى ضمان تفوق القوات الحكومة على «طالبان»، وأمدّتها بالمال والسلاح إلا أنها غفلت عن اختيار العناصر الصالحة، ووضع نظام يضمن بقاء هذه القوات وصمودها بعد الانسحاب. وحاولت تقليص زارعة وتجارة المخدرات، ومع ذلك أبقت عليها كي لا يتضور المزارعون والعمال جوعاً. وأخيراً، دافعت بقوة عن حقوق المرأة، لكنها لم تبذل جهداً كافياً لفهم طبيعة المجتمع الأفغاني المحافظ، وتصورت أن المساواة بين الجنسين ستتحقق بقرار فوقي.

ويرى التقرير أن حصيلة بقاء أمريكا 20 عاماً في أفغانستان لا تتناسب مع الثمن الباهظ الذي دفعته. وأنه لا يوجد مكسب يبرر إنفاق 145 مليار دولار على إعادة الأعمار، منها 83 ملياراً على القوات الأفغانية التي انهارت حتى قبل الانسحاب الأمريكي. الأهم من المال الخسائر البشرية الجسيمة التي تكبدتها أمريكا، وحلفاؤها، والقوات الأفغانية، والمدنيين الأبرياء.

ويحدد التقرير سبعة عناوين رئيسية للدروس المستفادة، نعرضها باختصار؛ الإستراتيجية: أولاً، أمريكا ما زالت تناضل لتطوير استراتيجية متماسكة لما تريد تحقيقه ولم تبلورها بعد. ثانياً، الجدول الزمني؛ ما زالت تسيء تقدير المدة الكافية لإنجاز أهدافها. الاستمرارية؛ وهو الدرس الثالث، ويتعلق بفشلها في ضمان بقاء المؤسسات التي أقامتها، وهو ما يجب تلافيه مستقبلاً. رابعاً: الطابع الشخصي الذي تميزت به سياساتها ونمط إدارتها، والمطلوب سياسة موضوعية، بصرف النظر عمن يدير. خامساً: انهيار الأمن، ما أدى إلى فشل الأعمار في النهاية وكان يجب أن تهتم أكثر بهذا العنصر. والدرس السادس، يتعلق بالسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي خاضت في إطاره تجربتها، وقد فشلت في فهم الكثير من جوانبه، ومن ثم ظلت تتعثر. والدرس الأخير يتعلق بالمراقبة والتقييم، ونادراً ما جرى ذلك، وبالتالي بقيت الصورة على الأرض مغايرة لما يصل للمسؤولين في واشنطن.

لهذه الأسباب كلها، كان الفشل محصلة طبيعة توقعها كثيرون ممن عرفوا الحقيقة، ولم يستمع إليهم أحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"