لمصلحة من؟

23:20 مساء
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

بين الحرية بمفهومها الحقيقي والانفلات خيط يكاد كثيرون لا يرونه، أو يتعمدون تجاهله وتجاوزه؛ كي يفعلوا ما يشاؤون تحت مظلة «حرية الرأي والفكر»، لكن هل يكون اعتراضنا على هذا التجاوز تعدّياً على تلك «الحرية»، أم نكون نحن أيضاً نمارس نفس الحق في إبداء الرأي والتمسك بالأفكار والمبادئ والقيم التي ربما نكون ولدنا ونشأنا عليها ولكننا نتمسك بها عن قناعة؟

لا يمكننا الاقتناع تحت أية ذريعة بأن الترويج للخطأ ولكل ما هو شاذ وتمريره كالسم في العسل من خلال أفلام أو مسلسلات، مسموح ويجب السكوت عنه باعتباره حرية في التعبير. ولا يمكن، بل لا يجوز التغاضي عن أفكار مسمومة تمررها شركات الإنتاج العالمية الكبرى بشكل وقح وفاضح ليكبر عليها الأطفال ويقلدوها وتصير مقبولة وعادية وتنتشر في العالم.

آخر ما خرجت به شركة «دي سي» العالمية والمشهورة في تقديمها الأبطال الخارقين وأفلام الأطفال والشباب، إعلانها الرسمي لجزء جديد من المسلسل الكرتوني الشهير «سوبرمان»، وتقول فيه بأن جون ابن كلارك كينت (وهو الذي يتحول إلى سوبرمان) مثلي ومتعدد الميول الجنسية، مع صورة فاضحة للبطل وصديقه!

من لم يعش مع قصص ومغامرات «سوبرمان» الكرتونية في المجلات وعلى الشاشة؟ من لم يشاهد أفلامه ومسلسلاته واشترى للأطفال ثياباً، أو إكسسوارات، أو حقائب مدرسية عليها شعار «سوبرمان»، و«باتمان» وأمثالهما؟ كيف يصير فجأة بطل الطفولة كابوساً نخاف منه على صغارنا وعلى الأجيال القادمة؟

لمصلحة من يتم توجيه عقول الأجيال الجديدة نحو الشذوذ وهدم القيم وهدم الصورة الطبيعية والحياة السليمة التي خلقنا عليها الله وأراد لنا أن نمشي عليها؟ لمصلحة من تتجه السينما والدراما والفنون نحو إقحام هذه الأفكار في أغلبية الأعمال التي يتم إنتاجها حديثاً وعلى أقل تقدير تكون هناك شخصية مثلية في كل عمل، حتى وصلنا إلى المرحلة الوقحة حيث لم يعد هناك عيب وحرام، وصار بطل الأطفال والمراهقين مثلياً أو مزدوجاً؟

منذ ظهور الإعلان وتوضيحه بشكلٍ فج ووقح عن «البطل الجديد» وميوله، والاستنكارات تتوالى على «السوشيال ميديا»، لكن هل ستتأثر الشركة المنتجة بذلك؟ أستبعد أن يكون غضب فئة من الجمهور مؤثراً، أو يمنع ظهور العمل ما دامت الموجة الأعلى تسير خلف قناع «الحرية» ويدافعون بحجة «من لا يعجبه لا يشاهد». وهناك من يقول لك «احمِ أولادك ولا تدعْهم يشاهدون مثل هذه الأعمال»، فهل تعتقدون أن الحماية الفردية تكفي لمنع انتشار الوباء الأخلاقي بين الصغار والمراهقين؟ وهل منع أي طفل من المشاهدة السينمائية أو التلفزيونية سيمنع وصول هذه الأفلام أو المسلسلات إليه عبر «تيك توك»، و«يوتيوب»، ومواقع تعيد عرض تلك الأعمال سواء بشكل شرعي أم لا؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"