المعيار الحقيقي للركـــود التضخمـــي ليس ما حدث في السبعينات

21:51 مساء
قراءة 4 دقائق

جيمي مكجيفر *

في الوقت الذي تشهد فيه الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً بالتزامن مع تباطؤ النمو الاقتصادي، يتطلع العديد من المستثمرين إلى الماضي في محاولة لمعرفة التوجه المستقبلي الذي قد تتجه إليه الأسواق الأمريكية، ففي حين تلوح بوادر الركود التضخمي الذي ضرب الاقتصاد في السبعينات، فإن المستثمرين يمنون النفس للعودة إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتفادي ما يمكن أن يحدث الآن؛ حيث ارتفعت أسعار الطاقة وتوقعات التضخم وعوائد السندات، جنباً إلى جنب مع النمو الذي شابه الضعف، إضافة إلى البنوك المركزية التي لم تعد تعتمد سياسات نقدية غير متشددة؛ حيث تشير الدلائل إلى أن السنوات الأولى من الألفية الجديدة، كانت أكثر اعتدالاً بناء على العديد من المعايير.
وفي حين أن جميع دورات الاقتصاد والسوق فريدة من نوعها وتعتمد على ظروف نوعية دقيقة، فإن المعطيات الراهنة أقرب إلى ما حدث في عام 2005، وذلك على الرغم من الفترة الماضية التي شهد فيها العالم ركوداً وتباطؤاً ظرفياً ارتبط بأزمة «كوفيد- 19» التي أضرت كثيراً بالاقتصادات والأسواق حول العالم. وكما هو الحال مع ما حدث في العام 2005، فإن مؤشرات الأسهم الأمريكية تشهد الآن نوعاً من التباطؤ، وليست الأسواق الآسيوية والأوروبية ببعيدة عن تلك التأثيرات السالبة لأزمة كورونا التي لا يزال العالم يحاول نفض غبارها عن كاهله. 
استمرت وتيرة الهبوط الذي شهده عام 2005 عاماً كاملاً تقريباً، فعلى الرغم من أن معدلات الأسعار إلى الربحية لا تزال مرتفعة بمستويات تاريخية، فإن هنالك مؤشرات تدل على استمرارية هذا الوضع حتى العام المقبل، ومن المتوقع أن تتسارع الوتيرة في حال كانت النتائج الفصلية الخاصة بالربع الثالث من العام الجاري، لا ترقى إلى المستوى المأمول من الربحية أو الإيجابية.
شهدت بعض المؤشرات الأمريكية الرئيسية موجات تصحيحية محدودة في عام 2005؛ حيث هبط مؤشر اس آند بي 500 بنسبة 8٪ في الفترة من مارس وحتى إبريل من ذلك العام، ثم تراجع مرة أخرى بنسبة 6٪ في الفترة ما بين سبتمبر حتى أكتوبر، وكان ذلك الهبوط هو الأول من نوعه منذ أكثر من عام؛ حيث أشار نحو 600 محلل استطلعت «دويشته فيله» آراءهم مؤخراً، إلى أنهم يتوقعون أن تشهد الأسواق العالمية موجة تصحيح هبوطية من المتوقع أن تتراوح نسبتها بين 5٪ إلى 10٪ بحلول نهاية العام الجاري في حال استمرت المعطيات الحالية. كما بدأ بعض المحللين والخبراء الاقتصاديين في اعتماد فترة منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بوصفها معياراً أو دراسة حالة محتملة؛ إذ أشار أندرو شيتس الخبير الاقتصادي لدى مورجان ستانلي في مذكرة أصدرها مؤخراً، إلى أن ما حدث في عام 2005 يمكن اعتباره مثالًا جديداً وجديراً بالاهتمام، على المخاوف المرتبطة بالركود التضخمي بعد حدوث أشياء معينة يبدو أنها متطابقة مع ما يحدث حالياً.
إن صورة التضخم التي تلوح حالياً في الأفق، تبدو أقرب في الكثير من عناصرها إلى ما حدث في عام 2005، مقارنة بما كانت عليه في السبعينات؛ حيث يفوق التضخم السنوي الحالي ما هو مسجل من قبل بنحو 5٪، وهو أعلى معدل يتم تسجيله خلال الأعوام ال 13 الماضية، مقارنة بمستوى الذروة الذي بلغ أقل من 5٪ بقليل، والذي يعد أيضاً أعلى مستوى منذ 14 عاماً. كما تجدر الإشارة إلى أن التضخم الذي شهده الاقتصاد في السبعينات، ارتبط بشكل وثيق بمعطيات أكثر واقعية تمثلت في بعض الصدمات المالية والاقتصادية ونقص ملحوظ في إمدادات الطاقة، لكن في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، شهدت أسعار الطاقة والغاز الطبيعي ارتفاعاً ملحوظاً، وكانت من العوامل الرئيسية التي أدت إلى الارتفاع الكبير في أسعار المستهلكين، وهو تماماً ما يحدث حالياً.
سجل خام برنت ارتفاعاً كبيراً بلغ أكثر من الضعف من 30 دولاراً في عام 2004 إلى نحو 65 دولاراً بنهاية عام 2005، وتضاعفت أسعاره أيضاً إلى أكثر من ذلك في الأشهر ال 18 التالية حتى وصل سعر البرميل إلى نحو 83 دولاراً، وهو ما دفع المحللين الذين استطلعتهم دويتشه فيليه إلى توقع أن تبلغ أسعار النفط قرابة 100 دولار على المدى القصير. وتشير التقارير الواردة إلى أن العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة سجلت مؤخراً أعلى مستوى لها منذ 12 عاماً؛ حيث بلغت 5.565 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك بعد الارتفاع الملحوظ في أسعاره خلال الأسابيع الستة الماضية بنسبة بلغت نحو 40 ٪، خلال الفترة من يوليو إلى أغسطس 2005، وبمقارنة ذلك مع عام 2005، فإن أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت خلال الفترة من يوليو إلى أغسطس من ذلك العام بنحو 50٪ لتصل إلى مستوى قياسي لم يتحقق قبل ذلك إطلاقاً.
يجب أن يكون الحذر الصفة الملازمة للمستثمرين والمشرعين في الوقت الراهن؛ حيث إن التوقعات المرتبطة بالتضخم، والتي يتم قياسها وفقاً لمنحنيات الأداء حتى شهر مايو، بلغت أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، كما أن منحنى تحركات أسعار الفائدة السائدة حالياً، تبدو مشابهة في طبيعتها لما حدث في عام 2005، وهو ما ينذر بخطر كبير. وفي ظل التقييمات الكبيرة للأسهم حالياً، إلى جانب المعطيات الأخرى الموجودة، فإن الركود التضخمي يمكن أن يضرب الاقتصادات العالمية في حال لم يتم اتخاذ خطوات فاعلة لمعالجة هذه الظروف التي يمكن أن تقودنا إلى واقع سينسف ما تم بناؤه طوال السنوات الماضية. 
* كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"