المناخ والنفط

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

هل ثمة علاقة بين المناخ والنفط؟ سؤال طالما يتردد على لسان مختصين وغير مختصين. وما يهمنا هنا هو الجانب الصحي والإنساني، خصوصاً ونحن نتابع كل يوم تحذيرات شديدة ومقلقة بشأن مستقبل الكرة الأرضية في ظل تبدلات المناخ ومتغيراته بما يجعل المرء أحياناً يشعر بالخوف؛ بل ويتملكه الهلع بشأن مصير البشرية ومستقبلها، بسبب تخصيص الميزانيات الضخمة للتسلح والعلوم الحربية وأنواع جديدة من السلاح، في حين لم يول الاهتمام الكافي بالصحة والتعليم والبيئة والبحث العلمي عموماً، في ظل امتداد التصحر وتفشي الأمراض والأوبئة وآخرها مداهمة العالم أجمع فيروس كورونا، إضافة إلى الاحتباس الحراري والتغييرات التي يشهدها المناخ.
ويذكّرنا ذلك بالسنوات الأخيرة للحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين المعسكرين؛ حيث قررت واشنطن تخصيص تريليوني دولار لحرب النجوم في سباق للتسلح مع موسكو، وهي ميزانية لم يقدر الاتحاد السوفييتي السابق على مجاراتها فيها. وكان ذلك مؤشراً جديداً على فوز الغرب في سباقه مع النظام الاشتراكي، يضاف إلى مؤشرات أخرى تتعلق بالنظام السياسي وشح الحريات والاختناقات الاقتصادية التي عاشها.
وبدلاً من التوجّه للبحث العلمي والتعاون الدولي في مجالات العلم والبحث والتكنولوجيا والصحة والبيئة لرفاه الإنسان وسعادته، فإن المنافسات السياسية والمصالح الأنانية الضيقة هي التي كانت تتغلب باستمرار وهي الآن تأخذ منحى جديداً يتعلق بالصراع الأمريكي - الصيني بشكل خاص، والأمريكي - الروسي أيضاً؛ حيث يجري فيه إهمال قضايا حساسة ومصيرية مثل تغييرات المناخ دون شعور بالمسؤولية من جانب القوى المتنفذة. وحين نستعيد ذلك فالأمر متزامن مع حرائق مدمرة في العديد من البلدان المتقدمة والنامية، إضافة إلى أعاصير وفيضانات وتغيير في درجات حرارة الكوكب التي ترتفع من سنة إلى أخرى.
  في ظل هذه الأوضاع صدر تقريران دوليان خطيران: الأول- من لجنة علماء الأمم المتحدة بشأن تغيرات المناخ. والثاني- تقرير وكالة الطاقة الدولية تمهيداً لمؤتمر غلاسكو الذي سينعقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2021. 
ويؤكد التقريران ضرورة البحث في مستقبل المناخ، وصولاً لعام 2050 تسابقاً مع قرارات مؤتمر باريس المناخي ولتأكيد التزامات الدول بالقرارات التي تم التوصل إليها والتعهدات التي أخذتها على عاتقها.
  وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الربط المباشر بين التغيرات المناخية والارتفاعات في درجات الحرارة، هي جراء عمل الإنسان، أي أن التقلبات المناخية ناجمة عن استعمال مباشر ومكثّف للنفط والمصادر الهيدروكربونية. ولهذه الأسباب حذر التقريران من انبعاثات غاز الميثان وثاني أوكسيد الكربون على التغيير المناخي، وهو ما يستمر سنوياً دون توقف؛ بل أخذ بالازدياد والارتفاع خلال السنوات الأخيرة، بما يؤثّر سلباً في استيعاب الغابات لثاني أوكسيد الكربون وتقليص انبعاث الأوكسجين من الأشجار، وهو ما يفاقم الأزمة المناخية المتعاظمة. وكان نصف الانبعاثات التي زادت من حرارة الجو خلال عامي 2019 - 2020 ناجمة عن حرائق الغابات.
وكانت اتفاقية باريس قد حددت هدفاً رئيسياً لها وهو التوصل إلى صفر من الانبعاثات الكربونية بحلول 2050، الأمر الذي يحتاج إلى إيجاد البدائل منذ الآن، وتأخذ بعض البلدان بتشريعات جديدة وأنظمة وقوانين للبدء في إحلال البدائل، مع الأخذ بنظر الاعتبار الاكتشافات العلمية الجديدة.
ويبقى دور النفط والغاز مهماً في مرحلة الطاقة المتجددة. فمن الناحية التجارية لا بد من أخذ الاستثمارات الهائلة في القطاع النفطي الدولي، خصوصاً في مجال الصناعة النفطية فيما إذا تم بنجاح تدوير الكربون، الأمر الذي يؤكد علاقة المناخ بالنفط ، علماً بأن الحملة العالمية لتغيير المناخ هي ضد الانبعاثات وليس ضد استخدامات النفط؛ حيث يمكن أن يلعب النفط الخالي من الانبعاثات دوراً في مرحلة الطاقة المتجددة، وقد يتنافس عبر السوق ومن خلال الأسعار مع الطاقة المستدامة، وبالطبع فإن الأمر له علاقة بالسوق، أي بالعرض والطلب وبالتطور العلمي أيضاً.
  وتواجه دول العالم الثالث والبلدان الفقيرة عموماً موضوع المناخ بصعوبة كبيرة فيما يتعلق بالاستثمارات لتحييد الانبعاثات، لذلك يبقى خيار بدائل الطاقة المستدامة غير متاح لدولها، لأن الحلول المطروحة تلبي إلى حد كبير مصالح الدول الصناعية الغنية والمتقدمة، في حين أن الدول النامية والفقيرة لا تزال خارج دائرة الفعل في هذا الميدان لأسباب تتعلق بعدم المساواة وغياب التكافؤ في العلاقات الدولية، ناهيك عن الاستلاب والاستغلال الذي تتعرض له ثرواتها من جانب القوى الكبرى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"