عادي
يجمع السياسة والدين والبيئة وصور بالأردن

«ديون».. ملحمة خيال علمي عنوانها الإبهار

00:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم
جورج لوكاس، هو الاسم الذي لن تنساه السينما العالمية أبداً، لأنه لم يمر فيها ليحقق إنجازات ونجاحات شخصية، بل شق طريقاً مختلفاً أمام المخرجين واتجهت بفضله السينما نحو الخيارات الأصعب في تقديم أفلام خيال علمي بتقنيات فنية عالية جداً. مخرج «حرب النجوم»، فتح الأبواب أمام ولادة أفلام مميزة، تعتمد على التقنيات والصورة أكثر من اعتمادها على النص الواضح والمبسط. وعلى نهج سلسلة «حرب النجوم» (الفيلم الأول ظهر عام 1977)، قدم المخرج دايفيد لينش عام 1984 فيلم «كثبان»، الذي شارك في كتابته مستنداً إلى الرواية الأصلية بالاسم نفسه لمؤلفها فرانك هيربرت (1965). وها هو المخرج دينيس فيلنوف يقدم نسخة حديثة وبالاسم نفسه أيضاً «ديون» أو «كثبان» عنوانها الإبهار، معلناً ولادة سلسلة سينمائية جديدة.

أنت أمام فيلم خيال علمي ملحمي أمريكي، ولا تحتاج إلى مشاهدة نسخة 1984 للمقارنة بين رؤية كل من لينش وفيلنوف، فالنسخة الحديثة غنية جداً بالإبهار البصري وبراعة المخرج في استغلال التقنيات السينمائية أحسن استغلال.

1

رواية فرانك هيربرت تستند إلى النظرة المستقبلية للإنسان، يجمع فيها السياسة مع الدين والبيئة. ودينيس فيلنوف شارك في الكتابة السينمائية للنص مع إريك روث وجون سبايهتس، وجعل للصورة دوراً بطلاً في هذا العمل، وقد اختار وادي رم في الأردن لتصوير فيلمه، خصوصاً المشاهد الخارجية في الصحراء، وقد أبدع في تقديم سحر الرمال الذهبية في مشاهد أشبه باللوحات الفنية.

وسائل قديمة

تدور أحداث «ديون» في المستقبل البعيد، عام 10191 على كوكبي «أراكيس» و«آنو»، لا نعرف موقعهما، ولا نعرف ماذا حل بكوكب الأرض. تطورت البشرية من النواحي العلمية والفكرية، لكن الصراع على المياه ما زال موجوداً، والصراعات على السلطة والحروب بين الشعوب ما زالت موجودة، إنما بالوسائل القديمة، مثل الخناجر والسيوف.. ولا وجود للسيارات المدنية التي نعرفها، التنقل سيراً في الصحراء أو بطائرات تشبه الهليكوبتر، ولكن على شكل حشرة اليعسوب. مقدمة الفيلم تمهيدية بصوت الممثلة زيندايا التي تجسد دور تشاني، فتاة من شعب الفيرمين، وتعرّفهم بأنهم السكان الأصليون لكوكب «أراكيس». بالصوت تحكي تشاني قصة الفيرمين، و«التوابل» التي تعتبر سر وسحر هذا الشعب، والتي يستخرجونها من رمال الصحراء، وهم يعرفون كيف يتعاملون مع ديدان الصحراء التي تهاجم أعداءها وتجعل الرمال متحركة كي تبتلعهم. يهاجم «الإمبراطور» الفيرمين فيلجأون إلى الدوق ليتو أتريدس (أوسكار إيزاك) ليقف بجانبهم وفق اتفاقية سلام تقضي بحماية «أراكيس» وشعب الفيرمين. بول، يؤديه بتميز النجم الشاب تيموثي شالاميت، ابن الدوق والليدي جيسيكا (ريبيكا فيرجسن)، يرى أحلاماً غريبة، ويكتشف لاحقاً أنها رؤية تجعله يدرك مسبقاً ما الذي سيحصل. والدته تعلم أنه «الموعود» و«القوي» الذي ينتظره شعب الفيرمين، لذا تستدعي العرّافة التي تؤكد أنه قوي كفاية «ليحطم المسافات بين الماضي والمستقبل».

لا شك في أن رهان شركة «وارنر بروس» ومعها «ليجاندري» على تحقيق أرباح من خلال «ديون» بجزئه الأول هو رابح، حيث بلغت ميزانية الفيلم 165 مليون دولار، وحقق حتى الآن نحو 130 مليوناً في الصالات عالمياً باستثناء أمريكا، حيث من المفترض أن ينطلق عرضه فيها خلال يومين.

1

ملحمة تمتد ساعتين ونصف الساعة، لا ملل، ولكن الكتابة تفتقد إلى سلاسة في سرد الأحداث، مبهمة وغير مباشرة. تكثر الأسماء وتتنوع المجموعات ويختلط الحابل بالنابل في المعارك. وتتوه، تفقد البوصلة، فتتمسك بالأبطال الرئيسيين لتعرف كيف تسلك الطريق نحو القصة. بول ووالدته هما الأكثر ظهوراً، ما يعني أن تيموثي وريبيكا لم يغيبا تقريباً عن الشاشة، ونجحا في الأداء وفي العمل الثنائي كابن وأمه. وفي المقابل، ظهور زيندايا قليل، رغم أنها بطلة أساسية، ويبدو أنه تمهيدي لظهور لها أقوى في الجزء الثاني، كما نستشف من الأحداث ومن النهاية المفتوحة التي يعلن فيها صناع العمل أن رحلة الجمهور معهم ستكون طويلة، من خلال سؤال البطل بول «هل نحن بعيدون؟»، فيسدل المخرج الستار على إجابة من تشاني «هذه ليست سوى البداية».

جفاف

الإسقاطات السياسية والدينية والبيئية واضحة، بول هو «نبينا الموعود»، «هناك حرب آتية من أجل الدين»، وجود محطة اختبار بيئية قديمة، تعدين «التوابل» والتي يتم استخراجها من رمال الصحراء، تكرار عبارة «اهدأ لتحافظ على المياه في جسمك»، أو «لا تهدر مياهك»، وظهور قطّاع طرق يريدون قتل الأم وابنها من أجل الحصول على المياه المخزنة في جسديهما، كذلك مشاهد إعادة تدوير «أي سائل يخرج من الإنسان» لتحويله إلى مياه، ويلفتك كل هذا الجفاف حيث لا وجود لأي بقعة مياه طوال الفيلم.

تيموثي شالاميت يمنح شخصية بول القسوة حيناً والرقة حيناً. وريبيكا فيرجسن غامضة وشرسة، وكما قلنا زيندايا مناسبة لدور تشاني بملامحها الحادة «الصحراوية».

«ديون» يذكّرك بأفلام شهيرة لعبت فيها الصحراء دور بطولة في القصة، مثل «لورنس العرب»، ويأخذك إلى أفلام الخيال العلمي مثل «حرب النجوم»، ويسحبك أيضاً إلى فيلم «نهاية العالم الآن» وغيرها. كأن المخرج فيلنوف استحضر تاريخ السينما ليجعل من هذا الفيلم مجموعة لوحات فنية، لكن المشكلة الحقيقية أن هذه اللوحات تبدو متقطعة، فلسفية، تتوه وسطها، كأنه تم تجميعها لتكون مشاهد منفصلة متصلة، عالية في جودة التصوير وفي التقنيات والإخراج، لكنها لا تذوب في بعضها بعضاً لتشكل لوحة واحدة. أفكار فيلنوف كثيرة وكبيرة، تصارعت في دماغه فأراد تقديمها كلها دفعة واحدة، حتى ولو نوه بأن هذا الفيلم هو جزء أول، ويمهد للجزء الثاني.

يلهث المخرج خلف أفكاره ونلهث معه لنربط الأحداث والشخصيات ونفهم التفاصيل. وهنا تتساءل: كيف يحقق فيلم من هذا النوع كل هذه الأرباح ونسب المشاهدة في الصالات؟ والجواب واضح، في الإبهار البصري والسمعي، الموسيقى والمؤثرات والإضاءة، وحتى الأزياء، يجذب الجمهور باعتماده على الأشكال البشرية للشخصيات لا المخلوقات الفضائية أو العجيبة، رغم وجودها إنما في الخلفية، وهي من ضمن الجيوش المقاتلة. ولا ننسى الغموض والتشويق الممزوج بالرومانسية في قصة تشاني الفتاة التي تلاحق بول ولا تظهر له إلا في أحلامه، حتى يراها أمامه بشحمها ولحمها في الجزء الأخير من الفيلم، أي بعد رحلة تشويق طويلة يتعمد صناع الفيلم مطّها من أجل إبقاء الجمهور مترقباً ومتفاعلاً مع تلك القصة العاطفية الغامضة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"