لبنان وصندوق النقد

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة *
سيبدأ لبنان، عاجلاً أم آجلاً، التفاوض مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة المالية الحالية، والبدء بتنفيذ إصلاحات إدارية واقتصادية ومالية، وغيرها، تعيد الاقتصاد إلى العافية. والتفاوض ليس عقاباً، أو عيباً، لكنه حاجة وقرار وطني، إذ يقف كل المانحين والمقرضين وراء صندوق النقد، ولا بد أن نفاوض بكل ثقة وجدية. والتفاوض حاجة، وواجب تجاه الشعب اللبناني الموجوع والجريح. والوفد الذي شكلته الحكومة للتفاوض يتمتع، من دون شك، بالكفاءة الكافية للتفاوض بصوت واحد، ولا بد أن نكون إيجابيين ونأمل خيراً.

فلبنان ليس الدولة الوحيدة في العالم التي اعتمدت، أو تعتمد برنامجاً إنقاذياً متفقاً عليه مع الصندوق، ووُجد صندوق النقد أصلاً لمساعدة الاقتصادات على الإصلاح في سبيل الاستقامة المالية. وهنالك دولتان مهمتان، على سبيل المثال، اعتمدتا برامج صندوق النقد، هما تركيا والبرازيل. وربما المثل التركي أهم للبنان بسبب القرب الجغرافي الذي يجعلنا إلى حد بعيد نعاني المشاكل نفسها.

مع بداية القرن الجاري، كانت لتركيا والبرازيل مشاكل اقتصادية كبرى فرضت عليهما اعتماد برنامج لكل منها، البرازيل في آخر 1999، وتركيا في أول سنة 2000. ماذا كانت تلك المشاكل الكبيرة؟ نسب تضخم مرتفعة، مضاربات كبيرة على النقد، عدم استطاعة الاقتراض لتمويل الإنفاق العام. وتحسنت الأوضاع مع التوقيع على الاتفاقية مع الصندوق، لكن عادت الأمور لتسوء بسبب التباطؤ في تطبيق الإصلاحات. ولم تستطع الدولتان تخفيض العجز المالي، كما تخفيض نمو الكتلة النقدية، إضافة إلى مشاكل مصرفية كبرى، خاصة في تركيا. كان هدف الحكومة التركية إنقاذ المصارف، وهذا هو حالنا في لبنان، والأهم حاولت الحكومة التركية إقناع الأسواق أنها جدية في تنفيذ الإصلاحات، والقيام بالتضحيات المطلوبة، وهذا هو دور حكومتنا اليوم.

ونجحت الحكومة التركية في تنفيذ إصلاحات في الهيكلية الاقتصادية للدولة، وساهم برنامج الصندوق والأموال التي رافقته في تخفيض نسبة التضخم، وإعادة البلد إلى النمو الاقتصادي. واعتمد سعر صرف واحد، وتحققت إصلاحات جدية في النظام المصرفي. ما هي الدروس الأساسية لاعتماد برنامج إصلاحي مع صندوق النقد في الدولتين التركية والبرازيلية؟

أولاً: التقشف المالي والنقدي الجدي والمدروس يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي. والإصلاحات الاقتصادية المناسبة تحسّن النتائج الاقتصادية لمصلحة المواطن.

ثانياً: ساهم برنامج صندوق النقد في منع تفاقم الأزمة في الدولتين، وبالتالي تحقق النمو بأسرع مما كان يعتقد. طبعاً الحكومات الجدية والقوية هي ضرورية في ظروف دقيقة كهذه.

ثالثاً: كلما عجلت الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، كلما زادت الفوائد على المواطن، والاقتصاد ككل. المهم أن تبدأ الإصلاحات للفجوات الكبيرة، كالكهرباء، والإنفاق، والبنية التحتية، وتخفيف حجم القطاع العام، وغيرها من الأمور التي تنزف المجتمع اللبناني واقتصاده. وكلما تأخر تنفيذ الإصلاحات، كلما تدنت الفوائد منها. ويجب الاقتناع بضرورات التنفيذ ووضع كل الجهود في سبيل ذلك.

رابعاً: من الضروري التنبه إلى أن النتائج يمكن أن تكون بطيئة، وبالتالي المطلوب الصبر والتنبه إلى كل المخاطر الممكنة. وفي الدول التي تعاني تضخماً قوياً ونسب دين عام مرتفعة، تأتي النتائج الإيجابية بتمهل، وليست هنالك حلول سحرية سريعة.

وكي ينجح لبنان في اعتماد وتطبيق برنامج صندوق النقد يجب أن تتوافر العوامل التالية مجتمعة: الاقتناع الرسمي والشعبي بضرورة التفاوض وبمحتوى الاتفاق، السرعة في تنفيذ ما يتفق عليه لأن عامل الوقت هو في غاية الأهمية، الإصلاحات ضرورية جداً مع صندوق النقد ومن دونه، إذ لا يمكننا أن نعيش من دون كهرباء ومياه واتصالات حديثة، وغيرها.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"