عادي

أزمة الطاقة ترفع أسعار السلع على الرغم من مخاوف النمو

17:01 مساء
قراءة 7 دقائق
1

* أولي هانسن
تسجل السلع الأساسية ارتفاعاً مستمراً في الأسعار منذ شهر دون ظهور أي بوادر للتراجع مع استمرار أزمة الطاقة العالمية وتأثيراتها المباشرة على القطاعات الأخرى، وخاصةً قطاع المعادن الصناعية كثيف الاستهلاك للطاقة. ودفع النقص في الوقود، الذي قاد إلى ارتفاع قياسي في الأسعار، الصين وأوروبا إلى تخفيض إنتاج المعادن ما ساهم في زيادة مكاسب أسعار مجموعة من المعادن الرئيسية، والتي تلعب العديد منها دوراً هاماً في دفع العالم نحو اعتماد اقتصادات حيادية الكربون.
وبدأ الارتفاع المتواصل بالأسعار في إثارة المخاوف المرتبطة بتأثيرها على المستهلكين وانخفاض الطلب، ما سيقود في نهاية المطاف إلى دعم أسواق أكثر توازناً. ويسجل النمو العالمي انخفاضات منتظمة مع ارتفاع أسعار الطاقة التي تعمل كضريبة مباشرة على المستهلكين، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ الحلول الخاصة بمعالجة نقص الإمدادات حول العالم، والحاجة لبذل جهود طبية أكبر للحدّ من انتشار الفيروس الذي لم يتمّ احتواءه حتى الآن.
وبالإضافة إلى هبوط مستويات الطلب الناجم عن الأسعار وتأثير تضخم تكاليف الطاقة بالنسبة إلى صافي الدخل، قد يقود التباطؤ الذي تشهده سوق العقارات الصينية والتخفيضات في الإنتاج الصناعي الصيني إلى الحد من المكاسب التي تحققها السلع خلال الأشهر القادمة.
ولا يزال التضخم من المواضيع الهامة التي تشغل العالم، وبعد شهور من التداول محدود النطاق، بدأ الفرق بين السندات المحمية من التضخم والسندات العادية في التوسّع. ووصل عائد التعادل، الذي يعكس توقعات الأسواق لمعدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الخمس المقبلة، إلى نسبة 3% ليتجاوز بذلك أعلى نسبة مسجلة منذ عام 2005. كما ساهم ارتفاع عائد التعادل لمدة عشر سنوات إلى 2.70% في كبح العوائد الحقيقية بحوالي 1%، ما شكل دعماً لأسواق الذهب التي تشهد منافسة متزايدة مع العملات المشفرة، وخاصةً بعد افتتاح الصناديق المتداولة في البورصة والمرتبطة بعقود بتكوين الآجلة هذا الأسبوع.
محاربة التلوث
حظيت المعادن الصناعية بأعلى المكاسب حتى الآن هذا الشهر، حيث ساعدت أزمة الطاقة العالمية وجهود الصين في محاربة التلوث في تخفيض الإنتاج في وقتٍ لم تسجل فيه مستويات الطلب أي تراجع ملحوظ. وتراجع مؤشر بورصة لندن للمعادن هذا الأسبوع، الذي يتتبع ستة معادن وسجل مستوياتٍ قياسية الأسبوع الفائت، متأثراً بالجهود الصينية المبذولة للسيطرة على أسعار الفحم والتي أثرت سلباً على أسعار المعادن كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الألمنيوم والزنك. وتصدّر سوق النحاس المشهد في الأسبوع الماضي، حيث ساعد الانخفاض السريع في مخزون المستودعات المتوفرة التي يتتبعها مؤشر بورصة لندن للمعادن على ارتفاع غير مسبوق في كلفة المعادن الجاهزة للتسليم الفوري.
فيما سجلت عقود النحاس الآجلة لمدة ثلاثة أشهر يوم الإثنين أعلى مستوياتها منذ خمسة أشهر عند 10,450 دولار للطن، وارتفع السعر الفوري عند نقطة واحدة ليبلغ 1,100 دولار للطن. وخلال الأسابيع الأخيرة، شهدت الطلبات الكبيرة على سحب مخزون المستودعات تراجعاً بتوافر النحاس إلى 14,150 طن فقط، وهو أدنى مستوى مسجل منذ عام 1974. بينما انخفض مخزون المستودعات التي تتبعها بورصة شنغهاي للعقود الآجلة في نفس الوقت إلى 40 ألف طن، وهو أدنى مستوى مسجل منذ عام 2009.
وأدت المخاوف المتعلقة بوتيرة النمو الصيني بشكلٍ عام، ولا سيما الازدهار الذي تشهده سوق العقارات الصينية، إلى حصر النحاس في نطاق ضيق نسبياً لعدة أشهر، إلا أن الاختراق الأخير وسط تعزيز المعروض المرتبط بسعر الصرف قد يؤدي إلى تمكين هذا النمو قبل أن يحقق مستويات قياسية جديدة مقارنةً بتلك المسجلة في مايو. وتتراوح أسعار النحاس عالي الجودة حالياً بين 4.45 دولار و4.52 دولار للرطل الواحد.
المعادن الثمينة
ساعدت مجموعة من العوامل المتمثلة في ارتفاع أسعار المعادن الصناعية وانخفاض الدولار وتوقعات التضخم المتزايدة في رفع أسعار الفضة إلى أعلى مستوياتها خلال خمسة أسابيع، كما ساهمت بانخفاض نسبة أسعار الذهب إلى الفضة من 80 إلى ما دون 74 في بداية الشهر. وبدلاً من تصدّره المعادن الثمينة، ارتفعت أسعار الذهب بشكلٍ ملحوظ. وعلى الرغم من إشارة مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إلى التوجه بعدم رفع أسعار الفائدة، لم يجد الذهب عرضاً قوياً يكفي لتجاوز مستويات المقاومة الرئيسية عند عتبة 1835 دولار.
وتوقف الدولار الذي واجه الكثير من الصعوبات خلال سبتمبر عن الارتفاع، وبعد أسابيع من عمليات الشراء بالمضاربة التي ساهمت برفع أسعاره مقابل سلة مجموعة السبعة من عقود العملات الآجلة في سوق النقد الدولي إلى أعلى مستوى خلال عامين، تشهد العملة الأمريكية تحسناً واضحاً. وإذا تحقق ذلك، فمن شأن الارتفاع في عوائد التعادل والعوائد الحقيقية السلبية أن يوفر زخماً كافياً لكسر العتبة الحالية مع تجدد عمليات الشراء من رؤوس الأموال ذات التوجه الفني.
ولا يزال إقبال مدراء الصناديق محدوداً مع التقلبات الأخيرة التي شهدتها سوق الأسهم مرةً أخرى، ما يساهم في ابتعاد المستثمرين عن التركيز على المدى القريب على الحاجة لتنويع الاقتصاد، ويمكن قياس ذلك بشكلٍ أفضل من خلال مراقبة سلوك المستثمرين تجاه شركات التعدين والسعر الفوري للذهب. وعندما تشير التوقعات إلى ارتفاع أسعار المعدن الثمين، يميل المستثمرون لشراء شركات التعدين (صندوق فان إيك المتداول في البورصة على سبيل المثال)، فيما يفضلون امتلاك الذهب الفعلي أو الاستثمار في الصناديق المتداولة في البورصة والتي تتبّع أسعار الذهب الفورية عند انخفاض أسعاره. وتعدّ النسبة الحالية أعلى بـ 13% فقط من أدنى المستويات المسجلة على الإطلاق منذ عام 2015، و87% أقل من أعلى المستويات المسجلة على الإطلاق أيضاً منذ عام 2006.
ويميل الركود التضخمي، الذي يحدد فترة تضخم مترافقة مع تباطؤ بالنمو، إلى دعم أسعار الذهب، حيث ارتفعت أسعار الذهب مع ارتفاع أسعار فائدة الاحتياطي الفدرالي خلال الفترتين السابقتين من هذه الحالة. ومع تشديد السياسة النقدية، قد تضطر السوق في نهاية المطاف إلى إعادة التفكير في التأثير السلبي على الأسعار الحالية للذهب.
أسعار الغاز
وشهدت أسعار الغاز والطاقة في الاتحاد الأوروبي تداولاتٍ جانبية في أعقاب الارتفاع في أوائل أكتوبر، مع زيادة بمعدل خمسة أضعاف عن متوسط أسعار الغاز الموسمي لا تزال أعلى بكثير من المستويات التي ستقود إلى صعوبات اقتصادية في جميع أنحاء المنطقة، وتلحق الضرر بوتيرة النمو مع عودة الصناعات الثقيلة المستهلكة للطاقة إلى الإنتاج. ومع استمرار انخفاض درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي، تزداد احتمالات ارتفاع الأسعار في حال كان الشتاء شديد البرودة. وقد ساهم هبوط أسعار الفحم بنسبة 25% بفضل جهود الجهات الحكومية الصينية، مؤقتاً على الأقل في التخفيف من المخاوف المتعلقة بارتفاع الأسعار.
وفي ظل المؤشرات التي تفيد بتراجع قطاع الطاقة في الصين حيث يتم تحفيز المحطات العاملة بالفحم على إنتاج المزيد من الطاقة، لاقت التوقعات بوصول المزيد من شحنات الغاز المسال إلى أوروبا اهتماماً واضحاً. وبشكلٍ عام، ستواجه أوروبا شتاءً قارساً ما لم تنخفض الأسعار ليزداد معدل الطلب ويتضح أن الشتاء معتدل البرودة، والأهم من ذلك أن تقرر روسيا شحن المزيد من الغاز. ولسوء الحظ، يرتبط هذا القرار على نحو متزايد بموافقة ألمانيا بسرعة على بدء تشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل. وفي ظل ذلك، يبدو أن أسعار الطاقة العالمية ستحافظ على ارتفاعها مع استبدال الغاز بالمشتقات النفطية، بإضافة المزيد من الدعم للمنتجات النفطية من زيت التدفئة والديزل إلى البروبان.
بدأ الارتفاع بأسعار النفط الخام الذي استمر طوال ستة أسابيع يفقد الزخم، استجابةً لانخفاض أسعار الغاز في الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع أسعار الفحم. ومن منظور فني، ساهم وصول مزيج خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط إلى ذروة أسعار الشراء مع توجّه صناديق التحوط للبيع في تحقيق بعض المكاسب التي طال انتظارها. ووفقاً للبيانات الواردة في تقرير التزامات المتداولين الذي يغطي الأسبوع المنتهي في 12 أكتوبر، فقد اختارت صناديق التحوط تقليص انكشافها في خام برنت، المعيار العالمي، بحدود 10% إلى 300 مليون برميل، أي أقل من نصف الرقم القياسي المسجل في عام 2018 وهو 632 برميل، في آخر مرة تجاوز سعر البرميل الواحد عتبة 80 دولار.
وفي هذه الأثناء، سجل خام غرب تكساس الوسيط أعلى مستوياته منذ عام 2014 مع تراجع مخزونات النفط الخام في كوشينغ، التي تعد مركز توزيع هام للعقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط، بسرعة إلى المستوى المسجل في عام 2018 وأقل بكثير من المتوسط. ونتيجةً لذلك، تأثر منحنى العقود الآجلة بشكلٍ كبير لتكون أسعار العقود الآجلة أقل من السعر الفوري. وعلى سبيل المثال، يبلغ الفرق بين أقرب سعرين للعقود الآجلة في ديسمبر 10.4 دولار للبرميل، وقد تم تسجيل هذا المستوى آخر مرة في عام 2013.
توقعات النفط
أشارت توقعاتنا للربع الرابع من عام 2021 التي صدرت في 5 أكتوبر إلى ارتفاع النطاق المستهدف لخام برنت بمقدار 10 دولارات ليتراوح بين 75 إلى 85 دولار للبرميل. وبعد أن سجل النفط الحد الأعلى من هذا النطاق، وقبل تبلور التوقعات الخاصة بالموسم الشتوي بفترة طويلة واحتمالات تقليص أوبك بلس لإنتاجها التي ستساهم في تشديد ظروف السوق، نتوقع أن تشهد المخاطر اتجاهاً صعودياً. ومع ذلك، ينبغي مراقبة ميل صناديق التحوط المستمر نحو البيع، لأنها تلغي مصدراً رئيسياً للطلب في السوق الورقية.
من جهتها، استقرت أسعار بن أرابيكا في نطاق يتراوح حول 2 دولار للرطل، ما يزيد بنسبة 75% عن متوسط السعر الذي سجلته خلال السنوات الخمس السابقة. وساهم ارتفاع الطلب العالمي وتراجع إنتاج البرازيل بسبب سوء الأحوال الجوية، بالإضافة إلى إعادة تعيين سلاسل التوريد في دعم انتعاش الأسعار بقوة خلال الأشهر الماضية. وسجلت صادرات البن البرازيلية أدنى مستوياتها الشهرية خلال أربع سنوات في سبتمبر؛ حيث ساهمت المنافسة على الحاويات وسعة السفن في الحفاظ على ارتفاع الأسعار وتراجع الأسهم التي تتبعها إنتركونتيننتال إكستشينج، ولا سيما في المستودعات الأوروبية التي دفعها نقص شحنات البن للبحث عن موردين جدد.
ومع التوقعات باستمرار حالة الازدحام العالمية التي تشهدها الموانئ والحاويات حتى عام 2022، ستعتمد توقعات الأسعار على المدى القريب على تطورات حالة الطقس في أمريكا الجنوبية. وقد توفر التحذيرات بشأن ظاهرة نينيا أخرى كتلك التي ضربت القارة العام الماضي دعماً كافياً للحفاظ على ارتفاع الأسعار الحالي وربما ارتفاعها أكثر.
أما بالنسبة لخام الحديد، فقد حافظ على استقراره عند حوالي 120 دولار للطن بعد أن انخفضت قيمته إلى النصف بين يوليو وسبتمبر. ومن المرجح أن تؤدي التوقعات على المدى القريب، في ضوء الجهود الصينية المبذولة لتقليص التلوث من خلال الحد من إنتاج الصلب والمخاوف بشأن تعافي قطاع العقارات، إلى كبح أسعار العقارات خلال الأشهر المقبلة. وتعتمد التوقعات المرتبطة بالطلب -على المدى القريب- على استقرار العرض من أكبر ثلاثة منتجين، شركة فالي وبي إتش بي وريو تينتو، الذين يسيطرون على 60% من حصة السوق المنقولة عبر البحر. وحتى الآن، قلصت الشركات الثلاث شحناتها، في خطوة من شأنها الحدّ من تدهور الأسعار وصولاً حتى سعر التكلفة، الذي يبلغ حالياً أقل من 50 دولار للطن.
* رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"