تطور موقف دول «التعاون» من تسعير الكربون

20:01 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
ظلت قضية تسعير الكربون وإنشاء آليات (أسواق) للاتجار بشهادات انبعاثاته، من أكثر القضايا حساسية لفرق التفاوض الخليجية في مفاوضات المناخ. وبقيت على موقفها الرافض لتمرير أية عبارة، أو إشارة في نصوص قرارات مؤتمرات الأطراف. لكن الدول الأوروبية التي دفعت بقوة منذ البدء لإدراج تسعير الكربون وفرض ضرائب على انبعاثاته، كآلية لخفض الانبعاثات، نجحت في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في باريس عام 2015، في إدخال المادة (6) على اتفاق باريس للمناخ التي استهدفت بالنص «تعزيز النُهُج (جمع نهج) المتكاملة والشاملة والمتوازنة التي ستساعد الحكومات في تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً، من خلال التعاون الدولي الطوعي»، أي من خلال دفع ثمن الكربون، بما يعني تحمّل الدول التي تتجاوز مساهماتها المحددة وطنياً، تكاليف الاحترار العالمي. وقد قطعت أطراف التفاوض شوطاً كبيراً في إدراج تدابير تطبيق هذه المادة في كتاب القواعد Rule Book (البروتوكول التنفيذي لاتفاق باريس)، في كل من مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين في Katowice بهولندا عام 2018، ومؤتمر الأطراف الخامس والعشرين في مدريد عام 2019، على طريق التوصل نهائياً إلى إرشادات فعالة للبلدان بشأن حساب عمليات النقل الدولية لخفض الانبعاثات والإبلاغ عنها. وفي مدريد وقّعت بالفعل 64 شركة ومجموعة أعمال ومنظمات غير حكومية تمثل أكثر من مليار عامل في 130 دولة، على إعلان بشأن المحاسبة السليمة للكربون.

ورغم التقدم الكبير الذي أحرز في مدريد بشأن قواعد عمل سوق الكربون، الذي سيمهد لإطلاق اتفاقيات تداول الانبعاثات بين البلدان بصورة فردية، إلا أن الأطراف لم تتمكن من التوصل بعد إلى اتفاق كامل. لذلك سيتعين عليها في جلاسكو، إنهاء الشق الأخير المتبقي من كتاب قواعد اتفاق باريس، والمتعلق بالقواعد الفعالة والشفافية والمحاسبة المتينة في طريقة احتساب الانبعاثات؛ بما يمكّن التجارة الدولية في الانبعاثات من تعبئة استثمارات كبيرة من القطاع الخاص، ومساعدة العالم على تحقيق أهداف المناخ الطموحة.

ولمّا كان ذلك، فإن دول مجلس التعاون صارت معنية أكثر من أي وقت مضى بالتعاطي مع هذه الحقيقة، والعمل بما تفرضه استحقاقاتها. خصوصاً إن بلداننا هي من بين أكثر الدول عرضة لمخاطر الاحترار العالمي. فهل تكون هذه فرصة لنجعل من تسعير الكربون أداة مفيدة لتحقيق أهداف الحد من الانبعاثات، وبالتالي تقليل الآثار المناخية الضارة في المنطقة، وزيادة فرص توسعة قاعدة التنويع الاقتصادي في الوقت نفسه؟

تسعير الكربون سوف يعني في هذه الحالة، وضع سعر صريح للتلوث الكربوني كوسيلة لخفض الانبعاثات ودفع الاستثمارات نحو خيارات أنظف. فضلاً عن أن تسعير الكربون سيرسل رسالة اقتصادية للملوثين ليقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا سيوقفون نشاطهم الملوث، أو يقللون انبعاثاتهم، أو يواصلون التلويث ويدفعون ثمن أطنان انبعاثاتهم. وهناك اليوم أكثر من 40 دولة لديها ثمن للتلوث الكربوني. وهي تختلف في مناهج تسعيرها للكربون، لكن أكثرها شيوعاً هما الآليتان السائدتان: أنظمة تداول الانبعاثات Emission Trading Systems – ETS؛ وضرائب الكربون Carbon taxes.

تقوم الآلية الأولى على قاعدة «حقق الحد الأقصى المسموح به لك للانبعاثات وتاجر بالفائض الذي حققته من الخفض».

أي أن هذا النظام يشجع على تحويل تحدي خفض الانبعاثات إلى فرصة استثمارية، حيث بإمكان الصناعات ذات الانبعاثات المنخفضة بيع حصصها الفائضة من سقف الانبعاثات المسموح به، إلى الصناعات والشركات التي تفوق انبعاثاتها الحد الأقصى المسموح به بموجب النظام. وبهذه الطريقة ينشأ العرض والطلب على الانبعاثات في هذا السوق الذي على أساسه يتحدد سعر السوق بالنسبة إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. أما في الآلية الثانية، فإن نظام ضريبة الكربون يحدد سعراً مباشراً للكربون من خلال تحديد معدل الضريبة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أي السعر لكل طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون. ويختلف نظام ضريبة الكربون عن نظام تداول الانبعاثات (ETS)، من حيث إن الكمية الإجمالية للانبعاثات التي يجب تقليلها، بموجب نظام ضريبة الكربون، ليست محددة سلفاً.

ووفقاً لمعطيات المداولات التي سبقت مؤتمر الأطراف القادم في جلاسكو، فإن الراجح أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تفعيل المادة السادسة من اتفاق باريس الخاصة بآليات الاتجار بشهادات الكربون. لذلك، فإنه سيتعين على دول مجلس التعاون، عاجلاً أو آجلاً، الاختيار بين المقاربتين السابقتين، أي ضريبة الكربون، أو نظام تداول الانبعاثات. وأخذا في الاعتبار، هيكل الصناعات التحويلية كثيفة الاستهلاك للطاقة في دول المجلس، واضطلاع هذه الصناعات بحصة وافرة من الاستثمارات الرأسمالية الموجهة لزيادة طاقاتها الإنتاجية، فقد يكون اعتماد نظام تداول الانبعاثات (ETS)، المقاربة المثلى لإشراك قاعدة عريضة من المساهمين في إطلاق الانبعاثات، لدفع نصيبهم من كلفة تدابير مكافحة آثار تغير المناخ، والتكيف معها.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"