تغيير العقلية التقنية السائدة

هنالك العديد من النقاشات التي تدور حول آفاق قطاع الطاقة حول العالم، حيث هنالك بعض الأحاديث التي تشير إلى أننا سنشهد قريباً مستويات جديدة من التطور، وهو المستقبل الذي يُفترض أن تتم فيه مضاعفة مستويات الفعالية لكي نحصل جميعاً على طاقة نظيفة ومستدامة وبأسعار نستطيع تحملها. الأمر يبدو جيداً، ولكن لنتوقف قليلاً عن المبالغة في التفاؤل حيال هذا الأمر، فنحن لسنا في المستقبل الآن، وربما لن نصل إليه ما لم يأخذ القائمون على ذلك التحول في اعتبارهم التعقيدات الكثيرة التي تنطوي على التكنولوجيا، والتي سينتج عنها ما يمكن أن يطلق عليه النطاق الشبكي للطاقة.
النطاق الشبكي للطاقة هو عبارة عن شبكة يمكن للناس من خلالها تبادل المعلومات والبيانات الضخمة، وفي الوقت الذي أصبح فيه قطاع الطاقة مؤهلاً لمواكبة الطفرة التكنولوجية الحالية، فإن الهدف من تطويع الطاقة ضمن إطار التحول التكنولوجي يتمثل في التخلي تماماً عن الأنظمة التي تعمل بها المحطات العملاقة، وعوضاً عن ذلك يتم العمل على بناء محطات افتراضية تعمل وفق عديد من العوامل التي تتضمن حجم الإنتاج البشري من الطاقة، وطرق المحافظة على استدامتها وكفاءتها في الوقت ذاته.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل التقدم الكبير الذي تشهده حالياً الكثير من القطاعات، إذ يمكن من خلال تبني نظام النطاق الشبكي للطاقة، تغيير علاقة الناس بالكامل مع الطاقة، وترجيح الكفة لصالح المستهلك والجيل القادم من المبتكرين، ومن آثارها الإيجابية أيضاً أنها ستعمل على تعزيز معدلات النمو الاقتصادي، وتمهيد الطريق للشركات الناشئة التي تتبنّى الابتكار لكسر النموذج السائد حالياً، بذات الطريقة التي استطاعت بها شركات عديدة إعادة رسم معالم العديد من القطاعات العالمية.
هنالك تقنيات وعوامل أساسية لا غنى عنها في هذا التحول، يتمثل أولها في تكنولوجيا البلوك تشين والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وبما أننا نتحدث عن التحولات في مجال الطاقة، فإن هذه العوامل المؤثرة موجودة اليوم ويمكننا استغلالها منذ الآن، ولا شيء يعيق ذلك التحول سوى العقلية التي تهاب التغييرات الجذرية السريعة.
دار الكثير من الجدل مؤخراً حول وجود نقص كبير في مواهب المجال التقني والتكنولوجي في قطاع الطاقة، ورغم ذلك فإن المشكلة لا تبدو، كما هي عليه ظاهرياً، حيث أن هنالك اليوم ملايين المهندسين والمبرمجين من ذوي المهارات المتقدمة في العالم، إضافة إلى العناصر اللازمة للابتكار، والتي من شأنها تذليل جميع العقبات التي تواجه البشرية على طريق ذلك التحول، بينما تظل العقبة الأكبر متمثلةً في العقلية التي تسيطر علينا، والتي يجب علينا أولاً تغييرها لنتمكن من تحقيق جميع الأهداف التكنولوجية المرسومة، والتي يمكن أن تغير حياتنا بشكل جذري.
نيويورك تايمز