مصر بعد الطوارئ

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن إلغاء مدّ العمل بقانون الطوارئ يوم تاريخي لمصر، ونتيجة متوقعة لسنوات من العمل والتضحيات واجهت فيها البلاد تحديات جساماً تحملتها بصبر، حتى وصلت إلى هذه اللحظة المفصلية التي تؤكد أن مصر تجاوزت مشاكلها الموروثة والمستجدة وحققت التعافي بمفهومه الشامل. ولتنظر، بعد الآن، واثقة إلى المستقبل الزاهر كأنها تحياه.

الوعي بمعنى إلغاء الطوارئ يستعيد سنوات طويلة عاشتها مصر تحت هذا القانون في العهود السابقة، خاصة طوال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، لتستمر بعده بفعل ظروف حرجة أوشكت فيها الدولة على الانهيار بعد 2011 عندما قفز «الإخوان» إلى السلطة، وكادت الأوضاع أن تأخذ منحى مدمراً، لولا يقظة المؤسسة العسكرية التي قدمت عشرات الشهداء ولبت نداء الواجب في ثورة 30 يونيو 2013 وبعدها في خضم معركة قاسية على جبهات عدة شملت مكافحة الإرهاب والتطرف، واستعادة هيبة الدولة، وإطلاق مشاريع استراتيجية للتنمية والبنى التحتية، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة، وكلها عوامل ساعدت على تحقيق نهضة غير مسبوقة لا ينكرها إلا جاحد، ومكنت مصر من امتلاك أسباب القوة والازدهار ورسمت صورة حضارية تنبض بالأمل والحياة، والعبرة من ذلك أن الشعوب تستطيع قهر المستحيل عندما تمتلك الإرادة وتجد القيادة الحازمة والحكيمة، وهو ما تعيشه مصر اليوم.

الخروج من سنوات الطوارئ يؤكد أن الحياة طبيعية والدولة آمنة ومستقرة، وهذا الإنجاز المعياري سيكون بداية لمعارك جديدة لترسيخ النهضة وحماية المنجزات، ويكون ذلك باندفاع كل مكونات المجتمع المدني إلى العمل والإبداع والتألق في كنف احترام القانون والثوابت والخصوصية الوطنية. فالوصول إلى هذا الواقع الجديد يعني أن مصر أصبحت تقف على أرضية راسخة تساعد على الانطلاق إلى الأفضل في كل الميادين. وربما هذه الفرصة الأولى التي تتحقق فيها تطلعات الأجيال السابقة التي حلم فيها سياسيون ومفكرون ومبدعون ببناء وطن آمن يحفظ كرامة مواطنيه ويشجعهم على الإيمان بمصر وقدرتها على استعادة موقعها الإقليمي والدولي بما يليق بمجدها السامق وتاريخها العريق.

منذ عصر الفراعنة كانت مصر موطن الخلق والتحضر والأعاجيب، وحتى في الحقب الحالكة التي مرت على المنطقة قديماً وحديثاً ظلت منارة تتلألأ وصمام أمان، والتاريخ مثل النهر لا يمكن أن يغير مجراه. ولأن مصر سليلة ذلك المجد التليد الذي ما زال حديث البشرية، فإن أمامها طريقاً مفتوحاً لدعم كل المنجزات الحضارية السابقة وتعزيزها بعد أن وصلت إلى بر الأمان مع بداية الجمهورية الجديدة، وهي جمهورية ستكون لها تحدياتها واستحقاقاتها، وستمر بمراحل ومنعطفات تتطلب آليات ومقاربات تتلاءم مع الأوضاع المستجدة. ولكن طالما كانت البداية سليمة والمنطلقات ثابتة فإن الفوز بالرهان حتمي ومؤكد، وهذا ما يميز الشعوب الحية عما سواها.

مصر الآن في عصر جديد بدأ مع إلغاء حالة الطوارئ نهائياً. وربما صدفة أن كانت البداية في أكتوبر شهر الانتصارات والاعتزاز بملاحم الشهداء، ما يلهم هذا الجيل القدرة على صياغة المستقبل ليكون أهلًا لحمل أمانات الأولين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"