الانتظار

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

ذلك الضوء الذي ينير فجأة في زاوية ما في داخلك فيشعل فكرة أو إحساساً، يأتي بلا إرادة منك وحين تحتاج إليه تسعى خلفه، تبحث عنه فيهرب منك. 
كل ضوء يسعدك أو يشغلك ولا تراه بعينيك، هو «الإبهار» الذي تحتاج إليه النفس كي تشعر بقيمة وأهمية ما تفكر أو تشعر به. هو السحر الذي يغريك ويجمّل لك الأشياء ويقنعك بأنها موجودة لك وحدك، وأنها مفصلة على مقاسك وكأنها الثمرة التي عليك أن تقطفها قبل أن يسبقك إليها أحد. 
انظر إلى ملامح أي طفل، تأمل البريق في عينيه حين تدهشه لعبة أو مفاجأة، لا يقتصر تجسيد الانبهار عند استدارة العينين واتساعهما فقط، بل كل ما فيه يعبّر عن قمة الفرح والإثارة والتشويق واللهفة.. وكلما كبر الطفل واقترب من النضج وكلما تقدم به العمر ورحل من السنين أكثر من المتبقي، كلما بهتت الدهشة وتراجعت اللهفة وذبلت العينان. 
الحياة بلا دهشة، هي حياة بلا جمال، بلا طعم، بلا بريق، بلا اكتشاف، بلا أمل.. كيف للمرء أن يحب الغد وينتظره بكل غموضه ومفاجآته وأسراره، إن لم ينتظر معه لسعة الدهشة التي ستهزه فتحرك مشاعره وتُسعد قلبه؟ ينتظر المفاجأة تماماً كما كان في طفولته وإن كابر اليوم وادعى الجمود لأنه «صار ناضجاً وحكيماً بما يكفي». يعرف جيداً أن موت الدهشة يعني موت المشاعر وتصلّب شرايين القلب والبدن، وكأن الإنسان صار آلة تتحرك وتعيش دون أن تترقب الآتي، وكل آتٍ لا بد أن يوازي في عقلنا البشري التفاؤل والأمل وأي حدث يحمل إلينا السعادة ولو بقدر بعوضة. 
هل يعيش المرء بلا دهشة، بلا رغبة في الانتظار؟ دائماً ننتظر، قدرنا أن ننتظر. تصفعنا الحياة من حين إلى آخر، تكتئب النفس فيشعر المرء بأن الغد لن يكون أفضل وبرغبة شديدة للاستسلام لليأس، لكن ذلك الضوء ينير فجأة، يدفع بفكرة إلى الأمام فتبهرنا وتشغلنا، يحرك إحساساً، يولد من خلفه أمل، والأمل يعني حتماً الانتظار، وكل انتظار لا بد أن يحمل معه إبهاراً أو دهشة. 
يستعيد المرء نبضه على إيقاع مختلف، ينهض مجدداً، يتأهب، ترتفع ضربات الشوق في صدره، يسمع صوت أنفاسه وكأنه يلهث خلف البريق، يستعد لاستقبال الرعشة ويفرك عينيه علهما تتسعان من جديد فيسترجع فرح الطفولة بكل صدقه وعمقه وجماله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"