عادي

لا قنوط مع الرحمة

22:42 مساء
قراءة دقيقتين

رغيد جطل
الطبيعة البشرية قد تجعل الإنسان يجانب جادة الصواب أحياناً، ويستمع إلى شهواته وملذاته، ناسياً أنه أُقيم على هذه الأرض لمهمة عظيمة، وهي السمع والطاعة لرب الأرض والسماء. وعندما يحيد الإنسان عن سبيل الهداية ويستجيب إلى خلافه، فإن قدميه تنزلقان إلى المعاصي التي إن تراكمت على القلب فإنه سيختم عليه بالسوء؛ لذا فإن الحق،جل وعلا، الرحيم بعباده يُذكرهم بأنه لا يأس ولا قنوط مع رحمته. وعندما نقرأ قوله، تعالى «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الزمر 53-55] ندرك ألطاف ربنا بنا ومحبته لنا.

الله، سبحانه وتعالى، على الرغم من قدرته على عباده، فإنه ينظر برحمة إلى أولئك المسرفين على أنفسهم الذين استخدموا النعمة في غير موضعها فانتهكوا الحُرمات، فيناديهم بعبارات الرحمة فلم يقل لهم يا أيها العصاة أصحاب الذنوب؛ بل ذكّرهم بأصل عبوديتهم له فقال:«يا عبادي» تنبيهاً للمذنبين بأنكم لن تجدوا إلهاً سواي يرحمكم ويغفر لكم، فلا تغادروا ميدان العبودية لما سواها، فرحمتي وسعت السماوات والأرض، وستشملكم متى أقررتم بذنوبكم وعدتم ثانية لحقيقة وجودكم على هذه الأرض، وهي العبودية، والتي تقتضي منكم أيها العباد أن تسيروا كما أمر ربكم لا كما تريدون، فإن أنتم أبيتم إلا اتباع أهوائكم والانحراف عن منهج الله، فالله لن يترككم وشأنكم تسيرون في ركب الشيطان؛ بل إنه سيدعوكم إلى رحابة الإيمان؛ حيث ينادي المسرفين الذين يظنون أن باب الرحمة أغلق دونهم، لا تقنطوا من رحمة الله. والقنوط، كما عرّفه الشوكاني، هو: اليأس من الرحمة، أو هو شدّة اليأس من الخير، ومن يدرك أن له رباً رحيماً فإنه لن يقنط، وإن تعاظمت ذنوبه.

أمام ارتكاب العبد للمعاصي يتنازعه أمران: أولهما أنه ارتكب معاصي عدة، وهي معاصٍ إن حُوسِب عليها هلك في الدارين، وثانيهما أنه عبد للرحيم الذي لم يُذكّره بمعصيته في البداية، فهل يستمر في طريق الغواية أم يطرق باب مولاه معترفاً بذنوبه مقراً بها؟

ولأن الفطرة السليمة تأبى السير في الطريق الخاطئ، فإن العبد تدمع عيناه حياء من الله، لكنه قد يخشى أن يطرق باب التوبة لعظم ذنوبه، وهنا تأتي البشارة من الله لكل مذنب أنه مهما تعاظمت ذنوبك فإن لك رباً غفوراً يقول لك ولكل عاصٍ: «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». وهي ليست دعوة إلى ارتكاب الذنب، وإنما بشارة لمن انزلقت قدماه بأن الله غفور رحيم لكل من تاب وأناب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"