وصفات النمو الاقتصادي

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي*

في عام 1989 وقبل إجراء معظم اختبارات محددات النمو، حاول جون ويليامسون وهو خبير في الاقتصاد أن يحل لغز النمو عن طريق أسلوب مختلف عن سابقيه. فسأل عدداً من علماء الاقتصاد وخبراء السياسة في واشنطن العاصمة (بمن في ذلك أفراد يعملون في مؤسسات الأبحاث، وفي الحكومة الأمريكية، والمؤسسات المالية الدولية، ومن اعتقد أنهم خبراء في النمو الاقتصادي )، عن السياسات التي يعتقدون أنها تسهم أكثر في النمو بأمريكا اللاتينية، وكانت الإجابات العشر الأولى: الانضباط المالي- إعادة توزيع الأموال الحكومية على أساس الحاجة وليس السياسة – توسيع القواعد الضريبية وخفض معدلات الضرائب الهامشية - تحرير الأسواق المالية- أسعار صرف تنافسية – استبدال حصص التجارة بالتعريفة الجمركية – إزالة الحواجز أمام المنافسة في أسواق المنتجات- خصخصة المشاريع المملوكة للدولة – إلغاء الحواجز أمام الاستثمار الأجنبي المباشر – حقوق ملكية قوية ومنفذة تنفيذاً فعالاً) وهي ما عرفت منذ ذلك الحين بمجموعات وصفات السياسة ل«إجماع واشنطن». وفي عقد التسعينات من القرن العشرين أصبح إجماع واشنطن «أكثر من مجرد قائمة ألفها أحد خبراء الاقتصاد، بل تطورت- عن طريق المصادفة إلى حد كبير- إلى وصفة للنمو والاستقرار المالي، لدرجة أن المؤسسات المالية الكبرى،

لاسيما صندوق النقد الدولي، فرضتها في التسعينات من القرن الماضي على عدد من الدول النامية التي كانت تتطلب جسراً من التمويل ليمكنها من الصمود إزاء الأزمات المالية ( مثل أسعار الصرف التي هبطت فجأة، والنقص في احتياطيات العملة المحلية، والنظم المالية المهتزة ).

من المحتمل أن يكون المسؤولون قد اعتقدوا أن هذه الشروط ضرورية لكل من النمو والاستقرار لسببين على الأقل:

أولاً: الكثير من السياسات التي شكلت إجماع واشنطن كانت بالفعل منفذة إلى حد كبير في الاقتصادات المتقدمة، فإذا كانت السياسات صالحة للأغنياء، فإنها عندئذ لابد أن تكون صالحة ضمناً للفقراء، وثانياً: علاوة على ذلك، من المفترض أن بعض المشاركين في المسح الذي قام به جون ويليامسون قد أدرجوا سياسات ظنوا أن المستثمرين الأجانب كانوا مهتمين بوجودها قبل أن يسلموا أموالهم للدول النامية.

لقد أصبحت قائمة إجماع واشنطن منذ ذلك الحين موضوعاً لكثير من المناقشات والجدل بين علماء الاقتصاد وصناع القرار في الدول المتقدمة والنامية على السواء، ففي حين قام بعض العلماء البارزين وصانعي القرار بشكل عام بدعم وصفات السياسة المذكورة في القائمة. فإن آخرين جادلوا بأنه في الخمس عشرة سنة أو نحو ذلك منذ تأليف القائمة، لم تثبت التجربة صحة وصفاتها، وكما لاحظ ويليامسون نفسه فإن مناطق العالم التي بذلت ما في وسعها لكي تقر وتدمج اقتصادها في بقية اقتصاد العالم كانت هي أمريكا اللاتينية ودول أوروبا الشرقية التي كانت تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية، وكذلك الدول السابقة في الاتحاد السوفييتي، ومع ذلك فإن النمو الذي سجلته أمريكا اللاتينية كان في أحسن الأحوال منذ أوائل عقد التسعينات من القرن العشرين فقيراً نسبياً، وكان نمو الاقتصادات الموجودة في مرحلة انتقال متفاوتة.

وعلى الطرف الآخر، كان أسرع اقتصاد في النمو منذ بدء إصلاحها الاقتصادي حتى الأزمة المالية العالمية، هو اقتصاد الصين، فقد تحركت باعتراف الجميع في الاتجاه المؤيد للسوق الذي اقترحته قائمة إجماع واشنطن، ولكن بطريقة تدريجية. ومع ذلك، وفي انتقاده القائمة سأل داني رودريك من جامعة هارفارد، سؤالاً استفزازياً، مفاده لو أن أفضل العقود الاقتصادية في أواخر السبعينات من القرن العشرين سئلوا عن السياسة التي ينبغي على الصين اتباعها لحث النمو الاقتصادي، فإنهم كانوا بالتأكيد سيقدمون إجابة هي شكل آخر من الانفجار العظيم أي تبني جميع الإصلاحات الموجودة في قائمة إجماع واشنطن، ومع ذلك فان الصين اتبعت طريقاً مختلفاً جداً بنجاح كبير محتفظة بمشاريعها التي تمتلكها الدولة، بيد أنها شجعت على تقليصها، في الوقت نفسه الذي قامت فيه بخصخصة الاقتصاد الصيني على الهامش عن طريق السماح التدريجي للأفراد بامتلاك قطع الأراضي التي تخصهم لزراعة المحاصيل والسماح للقرى بامتلاك وتشغيل مزارع جديدة. وليس وصفة قائمة إجماع واشنطن هي الوحيدة، فهناك وصفات أخرى ظهرت نتيجة وجود مشاكل أساسية في قائمة إجماع واشنطن.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"