ثلاثة رجال وامرأة

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

انشغل الوسط الأدبي والثقافي في إسبانيا خلال الأسبوع الماضي بقصة «كارمن مولا»، لا بل انشغلت بهذه القصة بعض الصحافات الثقافية العالمية، وفي حدود قليلة، بل قليلة جداً. تناولت الصحافة الثقافية العربية قصة «كارمن مولا» في باب أخبار التسلية والمنوّعات الخفيفة، مع أن الحادثة ثقافية بامتياز وتطرح من جديد موضوع الكتابة المشتركة، أو الكتابة تحت اسم مستعار، وهذه المرة يستخدم ثلاثة كتّاب إسبان ذُكر أنهم كتّاب سيناريو اسماً مستعاراً هو «كارمن مولا» في كتابة أعمال أدبية اشتهرت في أوروبا وإسبانيا، وتُرجمت إلى أكثر من إحدى عشرة لغة، أما حقيقة الأمر، فإنه لا توجد أصلاً امرأة أو كاتبة اسمها «كارمن مولا»، بل، ثلاثة رجال في امرأة.
ما حدث أن جائزة أدبية إسبانية أو غير إسبانية، ليس معروفاً على وجه الدقة، قيمتها مليون يورو أُعلن عنها قبل أيام، وما إن ذكر اسم الفائزة بالجائزة (كارمن مولا) حتى صعد إلى منصة التكريم ثلاثة رجال متقاربين في العمر: خورخي دياز، أغوستين مارتينيز، وأنطونيو مير سيرو.. وهنا كانت المفاجأة الكبرى للقائمين على الجائزة، وللقرّاء، وللصحافة. ومع أنه لم تكن هناك كاتبة حقيقية واحدة اسمها «كارمن مولا»، إلّا أن المؤلفين الثلاثة الذين اشتركوا في كتابة روايات تحت هذا الاسم المستعار استحقوا المليون يورو، والأهم من ذلك أنهم قفزوا إلى واجهة الإعلام الأدبي العالمي وأخذت دور نشر أوروبية تبحث عن أعمالهم، وانهالت عليهم عروض الترجمة والنشر.
هناك من رفض هذا الفوز وأن القصة كلها تقوم على جانب غير قانوني أو أخلاقي، وهناك من رأى في حكاية «كارمن مولا» هذه طرفة «ثقافية» لكنها مع ذلك واقع أدبي، فنحن أمام أعمال أدبية مقروءة من بينها مثلاً رواية «العروس الغجرية» الكتابة المشتركة لهؤلاء المؤلفين الثلاثة، وهناك من أثار من جديد قضية أو موضوع «الكتابة المشتركة» في حد ذاتها بوصفها إبداعاً، وبوصفها ظاهرة قائمة في الكثير من الساحات الثقافية العالمية، ومن بينها العربية.
من زاوية الرأي الثقافي الشخصي أرى أن ثلاثة كتّاب رجال يختبئون خلف اسم امرأة واحدة هو في حد ذاته حالة شعرية بامتياز، وأن اسم المرأة قوي وجميل ومؤثر مثل أي اسم له شخصية وحضور وتاريخ.
من المؤكد أن هؤلاء الكتّاب الثلاثة اتفقوا أو اختاروا هذه الحالة الكتابية المشتركة ذات البُعد النسائي بالصدفة، وأن الكتابة، بخاصة الأدب، الرواية والشعر بشكل خاص، هي الأهم وليس المهم من يكتب هذا الأدب، جندرياً أو تصنيفياً بيولوجياً محدوداً في الثنائية الضيقة: الذكر- الأنثى.
بهذا المعنى تأتي الكتابة الذكورية تحت اسم مستعار أنثوي أو نسائي نوعاً من الاختباء في المرأة ذاتها باعتبارها رحماً وأمّاً وحضناً ووطناً رمزياً وواقعياً للإنسان نفسه الذي لا يعرف معنى الفقد والضياع واليتم إلّا حين يشعر أنه يتيم الأم.
لقد ابتعدت كثيراً عن قصة «كارمن مولا» بهذا التوصيف الاجتهادي- الشعري لا أكثر ولا أقل، ولكن من المهم الإشارة هنا إلى الكاتب البرتغالي فيرناندو بيسَوا ونحن نكتب عن الاسم المستعار في سياق حكاية هؤلاء الكتّاب الثلاثة المستعارين، هم أنفسهم بالنسبة لاسم امرأة غير موجودة، وكأن «كارمن مولا» التي استُعيرت هي في الواقع استعارت، حتى لو كانت امرأة متخيّلة.
أما بيسَوا صاحب كتاب «اللاطمأنينة» البرتغالي الغامض، والطيفي، والصامت الأبدي، فقد كتب تحت أكثر من عشرين اسماً مستعاراً، كلّها تعود إليه، وقد تكون ثمة دماء برتغالية تجري في عروق هؤلاء الكتّاب الإسبان الثلاثة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"