ثقافة معدية

23:35 مساء
قراءة 3 دقائق

علاء الدين محمود

قصة إسبانيا مع الثقافة هي عبارة عن حكاية طويلة متعددة الفصول وتعود بداياتها إلى قرون سحيقة، وقد أسهمت الكثير من العوامل في ترسيخ الثقافة هناك بما فيها العامل الجغرافي لبلد هو عبارة عن شبه جزيرة، الأمر الذي عزز من تقارب سكانها وأوجد لديهم ثقافة مشتركة عبروا عنها بلغة واحدة، وذلك بالطبع لا ينفي وجود التعدد والذي هو عامل شديد الأهمية، خاصة أن إسبانيا تتكون في داخلها من مناطق جغرافية لها تفاصيلها الثقافية المختلفة نسبياً عن الأخرى، في مجالات اللغات والأدب والموسيقى والفنون المختلفة، ولكنها قد انصهرت جميعاً واتحدت وباتت تشكل ما يعرف بالثقافة الإسبانية، ومما ساعد على صناعة تلك البوتقة الفريدة هو انغلاق تلك المناطق على بعضها بفضل العامل الجغرافي، وعلى الرغم من أن للإسبان لغات متعددة لكن غلب في يومياتهم استخدم اللغة الإسبانية أو القشتالية خاصة ويعبرون بها في ممارساتهم الإبداعية والأدبية، إلى جانب «الكتالانية» و«الجاليكية» و«الباسك»، وبعض اللغات الأخرى.

للثقافة مكانتها المتميزة والفريدة والعجيبة لدرجة أن كل شيء في إسبانيا خاضع لمنطقها حتى الرياضة الأشهر التي يتميزون بها وهي مصارعة الثيران، والتي يظنها الكثيرون ممارسة عنيفة ما هي إلا طقس ثقافي له قواعد وتقاليد ممتدة من تراث عميق، وهي تشير إلى كثير من الدلالات والأفكار والقيم، التي تعكس هوية الإسبان، وتحمل تصورات حول العاطفة والحب والموت المقدس، ويشمل ذلك الأمر حتى الأزياء والطبخ، وذلك هو شأن إسبانيا مع كل أشكال وأنماط الممارسات الإبداعية والفنية الأخرى.

لذلك نجد أن لإسبانيا بصمة مختلفة وفريدة في كل أشكال الفنون والأدب، ففيما يتعلق بالموسيقى، نجد أنها واحدة من أقدم الممارسات الإبداعية في أوروبا، في أكثرها أصالة وإثارة للدهشة من حيث الآلات وفن الرقص حيث أهدت إسبانيا للعالم أشهر الرقصات وهي الفلامنكو، وكذلك الأغنيات، فالموسيقى هناك هي مجموعة متنوعة من الاتجاهات في كل منطقة، تآلفت مع بعضها وامتزجت مع مرور الأزمان حتى أصبح لها طرازها الخاص الذي يعكس التراث الإسباني الغني، وهي تجد اهتماماً كبيراً ينعكس في كم المهرجانات الموسيقية السنوية التي تقام في إسبانيا، والتي هي عبارة عن كرنفالات تعكس كل ما هو جديد وتقليدي في مجال الموسيقى، وذلك الأمر ينطبق أيضاً على الممارسات في مجال الرسم والتشكيل وفن العمارة التي تحضر بقوة في المشهد من خلال المباني الأثرية مثل: الكاتدرائيات القوطية، وقلاع القرون الوسطى والقصور الرائعة، وكلها مجالات ذات خصوصية كبيرة، وتشكل عالماً قائماً بذاته من الروعة والجمال، وكذلك هنالك جملة من الفنون الحديثة مثل السينما وصناعتها.

وربما لن يكتمل الحديث عن الثقافة الإسبانية دون الالتفات إلى الأدب في مجالات الشعر والنثر والرواية، وهي عوالم إبداعية برع فيها الإسبان بصورة خاصة، فكان أن انتشرت إبداعاتهم الأدبية وعمت كل العالم، منذ العصر الذهبي الذي كانت ضربة بدايته مع أعمال «ميغيل دي سربانتس»، الذي أهدى للعالم أكبر تحفة وهي رواية «دون كيخوته»، مروراً بالكثير من الإبداعات الشعرية والأدبية حتى عصر «لوركا»، ذلك الشاعر والمسرحي، الذي لا تزال نصوصه تتلى في جميع أنحاء العالم وتشكل مدرسة شعرية يتمثلها شعراء كثر، إضافة إلى كثيرين غيره ممن أهدوا للعالم الكثير من درر السرد، وكذلك الشعر ذلك الفن الذي يمتزج بالغناء عند الإسبان.

هي بالفعل ثقافة معدية، لأن الكثير من دول العالم صارت تنسج إبداعات أدبية وفنية من قماشتها، خاصة في دول أمريكا الجنوبية التي تتحدث في معظمها اللغة الإسبانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"