الطيب والشرير في السياسة الأمريكية

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

تتنوع المصطلحات التي تفسر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. منها ما يجسد الجانب الإيجابي لهذه السياسة، وفي مقابلها ما يقوم به خبراء أمريكيون متخصصون يغوصون في عمق هذه السياسة، وينقّبون في كواليسها غير المرئية، ليقدموا رؤية أخرى قائمة على البحث والدراسة العلمية المجردة من أي توجهات سياسية.

وربما كانت فترة رئاسة جورج بوش (الابن) نموذجاً للرؤية الأخرى، من حيث تقسيمه للعالم إلى لونين أبيض وأسود، وأن العالم محكوم في بعض أنحائه بجماعات خطيرة وشريرة. ويشرح ذلك الكاتب روبرت كابلان الذي دعاه بوش لجلسة خاصة معه في البيت الأبيض، نظراً للتوافق بينهما في الرأي، وبعدها كتب كابلان في مطبوعة «ناشونال انترست»، أن بوش يحمل للعالم نظرة قاتمة.

أيضاً يقول المفكر ريتشارد هانانيا المختص بالشؤون الدفاعية في معهد بحوث الحرب والسلام بجامعة كولومبيا، إن من عادة قادة أمريكا تصوير السياسة الخارجية على أنها صراع بين الأخيار والأشرار.

ويقدم هانانيا – في دراسة بمطبوعة سيرفايفل – نموذجاً لذلك بتأييد الولايات المتحدة للعناصر التي كانت تقاتل في سوريا ضد حكم بشار الأسد.

وأن الولايات المتحدة لم تتدخل ضد الأسد فقط، لكنها تسببت بتدهور الوضع الإنساني في سوريا، فابتداء من السنوات الأولى للحرب في سوريا، فإن الولايات المتحدة فرضت مقاطعة اقتصادية على حكومتها، وفي الوقت نفسه قامت بتمويل ودعم المتمردين من الجماعات المناهضة للأسد. وفي هذه الأجواء سقط قتلى بما يزيد على مائة ألف من جنود النظام ومؤيديه، من بين 585 ألف قتيل بشكل إجمالي.

وأدت المواقف الأمريكية إلى قتل جماعي، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم سوى القليل لمساعدة الشعب السوري، لكنها جعلت الأعمال الوحشية أكثر احتمالاً.

هذه السياسات تظهر تضارباً واضحاً، في تعاملها مع مثل هذه الأحداث، فمن الثابت أن الولايات المتحدة اعتمدت بدرجة كبيرة على دول في المنطقة، في وصول الأسلحة الأمريكية إلى المتمردين فى سوريا، ومنهم أنصار «تنظيم القاعدة»، وهنا يظهر التناقض ما بين ذلك وبين ما تعلنه مراراً من أنها تحارب ضد الإرهاب، ذلك أن هذه الأسلحة وصلت إلى أيدى «جبهة النصرة» التابعة «للقاعدة»، وإلى تنظيم «داعش».

وكان صدر في عام 2017 تقرير عن الاتحاد الأوروبي، يتضمن نوعيات وكميات السلاح التي وصلت إلى أيدي «داعش»، ومنها صواريخ مضادة للدبابات.

وفي عام 2012 اعتمدت الولايات المتحدة سياسة تغيير النظام، من خلال برنامج لوكالة المخابرات المركزية عرف باسم «Timber Sycamore»، الذي بدأ بتدريب متمردين في سوريا، ونتيجة لذلك أخذ العدد الإجمالي للقتلى يتزايد، وإن كان تدخل روسيا بدءاً من سبتمبر/ ايلول 2015، أدى إلى تناقص في أعداد القتلى.

ولفترة طويلة داومت واشنطن على اتباع سياسات في الشرق الأوسط استندت إلى تفكير وضعت واشنطن تصوراتها له من ناحيتها، وابتعدت عن الفهم المنطقي لما استقر لدى علماء السياسة من أن مثل هذه التصورات الأحادية تؤدي إلى القتل الجماعي والحروب الأهلية.

وإذا كانت المسؤولية الأخلاقية تقع على من يمارسون الأعمال الوحشية، فإن الولايات المتحدة يمكنها المساعدة على خلق الظروف التي تجعل مثل هذه الأعمال، عند أقل حد ممكن.

إن مصطلحات الخير والشر، كمعايير لأداء بعض الإدارات الأمريكية، احتوت في نطاقها معاني سارت على الدرب نفسه، من بينها – على سبيل المثال – التعامل مع دول خارجية حسب المقاييس الأمريكية لحقوق الإنسان، من دون معرفة كاملة وكافية بطبيعة، وتقاليد، وثقافات شعوب هذه الدول التي يصعب أن تتخذ لنفسها المعايير نفسها. يضاف إلى ذلك ما تشهده شعوب هذه الدول من خروج على المعايير الأصلية لحقوق الإنسان في أمريكا ذاتها. وعلى رأسها التعامل الهادئ من مؤسسات تجاه التصرفات العنصرية مع السود، خاصة من جانب الشرطة، وعدم وضع قوانين تجرّم هذه التصرفات.

عموماً، فإن معايير الخير والشر، والأخيار والأشرار، ليست معايير يختص بها واضعو السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن المفترض أنها تنبع من رؤية أوسع يتفق عليها المجتمع الدولي، بشكل عام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"