عادي

الحب في القرآن

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق

أحمد حلمي سيف النصر
هل يمكن تطبيق مفاهيم الحب وقيمه التي أوردها القرآن الكريم في حياتنا اليومية؟ وهل نستطيع أن نحل هذه المبادئ محل الزيف والخداع والغش والكراهية التي أفسدت معيشتنا على الأرض وحولتها إلى جحيم لا يطاق؟

حب النفس في غياب الإيمان هو تضييع لها؛ لأن من ينسى الله ينسيه الله نفسه، فأي ضياع أشد من ذلك، حتى ولو كسب الإنسان الدنيا كلها؟ لقد اعتبر الإسلام الحبّ قيمة عُليا في رسالته، وهدفاً سامياً من أهدافه، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه، وتكوينه في النفس البشرية، وإشاعته في المجتمع، وبناء الحياة على أساس الحبّ والمودّة.

هل الإسلام إلاّ الحبّ؟ ألا ترى قول الله عزّ وجلّ: «قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم» آل عمران -31؟ أوَلا ترى قول الله عزّ وجلّ، لرسوله صلى الله عليه وسلم: «حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم» الحجرات- 7؟ وقال: «يحبّون مَن هاجر إليهم» الحشر- 9.

ونعرف قيمة الحبّ في الإسلام من تعريفه له. نعرفه عندما يعرِّف الإسلام نفسه بأنّه الحبّ، وبأنّ الحبّ هو الإسلام، وأنّ قيمة كبرى يسعى لتحقيقها في الحياة هي الحبّ: حبّ الله، وحب الحق، وحبّ الخير، وحبّ الإنسان.

قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم» متفق عليه.

لنقف طويلاً عند هذا التعريف الذي حمله إلينا الحديث الشريف، ولنتأمّل في مفاهيمه الحضارية وقيمته الكبرى في حياة الإنسان، لنعرف كم هي الحاجة إلى تمثّل هذه القيمة الحضارية، وتحويلها إلى سلوك وممارسات في حياة الإنسان..

هذا التعريف الفريد في عالَم الإنسان للدِّين والحبّ، يعرِّفنا بمحتوى الدِّين ومحتوى الحبّ، فالدِّين حبّ لله وللناس وللخير، والحبّ مقدّس عندما ينطلق من حبّ الله، عندما ينطلق من حبِّ الخير المطلق والجمال المطلق والحق المطلق.

ويتجسّد الحبّ في مجالين هما: المجال الحسِّي، أي الحبّ المألوف في عالَم الإنسان، والمجال الروحي المتمثِّل في حبّ الإنسان لله وللقيم والمعاني المجرّدة، كقيم الحق والعدل.

والإنسان كما هو عقل وإرادة، هو مشاعر وعواطف ووجدان، وهو نفس وروح، كما هو جسد وأجهزة مادِّية، تعمل وفق قوانين بيولوجية وفسيولوجية.

كم هي البشريّة بحاجة إلى حبّ الإسلام، الحبّ المجرّد من الرِّبح والحساب المادِّي، الحبّ الرّوحي والعاطفي الصّادق.

لم تكن مفاهيم الحبّ قيماً فلسفيّة مُجرّدة، بل جسّدها الإسلام منهجاً عمليّاً يستوعب قلب الإنسان وروحه وعقله وحسّه ونشاطه وغرائزه، فالحبّ في الإسلام هو: حبّ الله، حبّ الوالدين، حبّ الزّوجة، حبّ الأبناء، حبّ الحاكم العادل، حبّ الوطن والأرض، حبّ الحاكم للأمّة، حبّ الأرحام، حبّ النّاس، حبّ الجمال، حبّ الطّبيعة، حبّ العلم، حبّ الخير..

ومن حبّ الله يبدأ الحبّ في الإسلام، ووضّح القرآن هذه الحقيقة الجوهريّة بقوله: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله». آل عمران- 31. وكم نحن بحاجة إلى الحبّ ليسري في حضارة الإنسان الماديّة المليئة، بالحقد والانتقام.

وعلى أساس الحبّ يؤسِّس الإسلام الأسرة، وعلى هذا الأساس ّ تُبنى العلاقة بين الزّوجين، وبين الآباء والأبناء. وأصدق ما يجسِّد هذه الرّوح هو قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة». الرّوم 21.

ويتحدّث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن حبّ الزوجة في الإسلام فيصفه بقوله: «ما أظنّ رجلاً يزداد في الإيمان خيراً، إلاّ ازداد حُبّاً لزوجته»، ثم يدعو الرّجل إلى أن يُشعِر زوجته بالحبّ ليثبت في قلبها. إنّه يصوِّر عطاء تلك الكلمة الخالدة بقوله: «قول الرّجل لزوجته: إنِّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"