كتب اليوم الأول

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

تعودت في كل دورة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، بخاصة في السنوات العشر الأخيرة أن أزور المعرض مبكراً في يومه الأول، وأتجوّل بانتظام ومن دون أية عشوائية في المسارات المتوازية للأجنحة، وفي كل يوم هناك ميزانية متواضعة للكتب التي يقع عليها الاختيار، وأسمّي كتب اليوم الأول «خيرات المعرض» متفائلاً بكتب جديدة أو قديمة نسبياً جديرة بالشراء وتتلاءم مع مزاج قرائي بالغ الخصوصية، وهي فرحة ذاتية تماماً وعميقة تماماً حين أعود إلى بيتي أو إلى مكتبي في الجريدة، وأتصفح هذه الخيرات التي تضاف إلى خيرات الأعوام السابقة ممتلئاً بالتفاؤل، إذْ تتراكم الكتب، وكل منها يحمل تاريخ دورة من دورات معرض الشارقة الدولي للكتاب.
 معرض عايشته منذ العام 1984، آنذاك كان كاتب هذه السطور في العشرين من عمره، كان أصدقاؤه أيضاً في تلك السن العشرينية القارئة، واليوم، ها نحن في قلب نضج الستين أو الخمسين من أعمارنا المتوازية مع دورات معرض الشارقة للكتاب، وإلى جوارنا أبناؤنا وبناتنا ولكل فرد من العائلة كتبه، ولكل فرد خيراته واختياراته.
التعرّف إلى كاتب تقرأ له للمرة الأولى مثل التعرّف إلى مدينة تزورها وأنت لا تعرف شيئاً عنها سوى اسمها المدوّن في الجغرافيا، أقرأ للمرة الأولى رواية بعنوان «عالِمُ التشريح» لكاتب أتهجأ اسمه بفضول: فيديريكو أندَهازي. في الحقيقة أنت الآن تتصفح الرواية، أما القراءة الحرفية أو المهنية فلها وقتها المخصوص.
من هو هذا الضيف الجديد الذي يطرق بابك بلطف: فيديريكو أندَهازي؟ الفضل في تعريفنا به يعود بالطبع إلى مترجم الرواية مالك سلمان الذي يضع سيرة موجزة للروائي، لكنها كافية تماماً لتعرفه وتصادقه، وهذه قضية ثانية جديرة بالإشارة إليها ولو سريعاً، وهي أن بعض المترجمين العرب وأسمّيهم هنا «سلّاقو البطاطا» يقومون بنقل رواية ما أو مجموعة شعرية ما من لغتها الأصلية إلى لغتنا العربية، وبالمصادفة ربما يظهر الكتاب المترجم على درجة عالية من الجمال الأدبي والفني والإبداعي، لكن المترجم يقع أحياناً، وهو يقوم ب «سلق البطاطا» بالإساءة إلى الرواية أو القصيدة عبر الترجمة التي تبدو أكثر من خيانة، وأسوأ من ذلك، لا يعطيك ولو معلومة صغيرة واحدة عن المؤلف.
ترجمة مالك سلمان لرواية «عالِمُ التشريح» جاءت نقية جميلة، والجميل أيضاً أنه عرّفنّا بالمؤلف. مرة ثانية بعد كل هذا الاستطراد، من هو فيديريكو أندَهازي؟ أرجنتيني وُلِدَ في العام 1963، أبوه شاعر ومحلل نفساني «كان يهرب من المدرسة التي يرى فيها انعكاساً لعقلية الديكتاتورية العسكرية القمعية». يمارس مهنة التحليل النفسي. وفي الأثناء كان يكتب قصصاً قصيرة.
نُشرت رواية «عالِمُ التشريح» في العام 1997، وقفزت إلى مؤشر الكتب الأكثر مبيعاً في الأرجنتين، وترجمت بعد ذلك إلى أكثر من ثلاثين لغة، وكل هذه المعلومات تعود إلى صاحبها، مترجم الرواية.
هذا قبس إضاءة بسيط من خيرات اليوم الأول في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أصبح معرض التفاؤل والثقة والجمال، إلى جانب كونه معرض ظواهر ثقافية لها قيمها وحيثياتها الفكرية والمعرفية والجمالية تليق بمكانة أكبر معرض كتاب في العالم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"