كسر في عظم الفخذ

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

من يصدق أن كسراً في عظم الفخذ والتشافي منه قد يعتبران دلالة على تحضر شعب ما؟ هذا ما رأته عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية مارجريت ميد عندما سئلت عما تعتبره أول علامة على الحضارة في ثقافة ما. وبينما توقع السائل جواباً عن الفؤوس أو الأواني الفخارية أو الأحجار، أجابت ميد: «إن أول علامة على الحضارة في ثقافة قديمة هي إثبات وجود شخص شُفِي من كسرٍ في عظم الفخذ!»، مبررة جوابها بأنه في مملكة الحيوان، إذا كسرت ساقه، فإنه ميت لا محالة؛ لا يمكنه الهرب من الخطر، أو الذهاب إلى النهر لشرب الماء، أو الصيد لإطعام نفسه وصغاره، ويصبح لحماً طازجاً للحيوانات المفترسة، فلا ينجو أي حيوان من ساقه المكسورة لفترة كافية لشفاء العظم.
إن كسر عظم الفخذ الذي تم شفاؤه دليل على أن شخصاً ما قضى وقته في البقاء مع من سقط، وجبر كسره، ووضعه في مكان آمن واعتنى به حتى تعافى، قائلة: «إن مساعدة شخص ما في مواجهة الصعوبات هي نقطة انطلاق الحضارة».
هكذا ترى ميد أن تكاتف أي مجتمع دليل على تحضره ورقيّه، وهو أمر فيه الشيء الكثير من الصحة؛ ففي التكاتف قدرة على الارتقاء، على وصل ما لا يوصل بالتفكك، على الإحساس بالأمان وبالتالي القدرة على التغلب على أية ضائقة أو جائحة أو مصيبة أو كارثة.
ما يحدث في الدول التي تعاني كوارث طبيعية أو حروباً أو قلة في الموارد أو انتشار مرض أو وباء هو دليل على تحضر هذه البلاد، فحينما تتكاتف الأيدي تخرج من ضائقتها وتنطلق من جديد قوية وصحية، ولكن حين لا يجد المجتمع غير التفكك بين أفراده والأنانية ومحاولة التغلب على بعضهم بعضاً، ينهار المجتمع وينهار بناؤه ويغدو فيه الفرد تائهاً ضجراً وحيداً إن استطاع النجاة والمضي.
هكذا يكون التعاون والتكاتف والإيثار أول دلائل ثقافة الشعوب وحضارتها ورقيها،
فهل نبدأ نشر هذه الثقافة في أسرنا قبل أن نشيعها بشكل طبيعي في مجتمعاتنا وبالتالي دولنا وعالمنا؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"