كل شيء إلا «ممثلات»

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

التمثيل هوية، ليس مجرد مهنة ومن يدخل المجال وفي ذهنه أنه «وجد وظيفة يأكل منها عيش» وتدر عليه ملايين المعجبين، لا يمكن أن يكون سيداً على الشاشة، ولا يمكن للتمثيل أن يكون هويته المتجذرة من هوايته، يحملها معه أينما كان، هي التي تُعرّف عنه وتضعه في مكانة مميزة في نظر الجمهور.
هكذا كان التمثيل على مر السنوات الطويلة، البعيدة والقريبة، إلى أن تغيّرت الأحوال لا نفهم كيف ولماذا؛ إذ فجأة، وبشكل جماعي، صار كل ممثل يقدم نفسه أمام الكاميرات وعلى صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة مختلفة، وكأنه يريد لفت أنظار الناس، وشد انتباه الكاميرات إلى مناطق و«مهارات» أخرى ربما يراها أجمل من موهبة التمثيل لديه!
وكأن صفة وهوية التمثيل لم تعودا تكفيان حامليهما، وإلا كيف وبماذا نفسر هذا الهجوم الشرس من قبل الممثلين، والإناث أكثر بكثير من الذكور، على الرقص واستعراض الأزياء وكأنهن يروجن لماركات ويتقاضين أجراً، ولا تكاد الواحدة منهن تمر على أي سجادة أو ممشى أو حتى ممر ضيق حتى تبدأ وصلة الهز وتصاب بالرعشة. أمام أية كاميرا وفي أية مناسبة ينطلق التنافس بين الممثلات وكل واحدة منهن تريد إثبات أنها أجملهن، مع التركيز طبعاً على الماكياج والشعر والقد الميّاس، مع أن «ميّاس» لا يعرف طريقه إلى نسبة لا بأس بها منهن!
مجموعة من الممثلات جرفتهن موجة استعراض الشكل والمفاتن، كلهن راقصات، وعارضات أزياء، وكل شيء إلا «ممثلات». غريب هذا الاتجاه الجديد، موجة هبت في الوسط الفني فجرفت معها فئة دون التمييز بين سنوات الخبرة أو العمر ولا حجم الموهبة وتراكم أعداد المعجبين. هوس الاستعراض طغى دون الحاجة إليه، فلكل منهن جمهورها الذي يحبها وطريقها الذي اختارت أن تسلكه ونجحت في الظهور على الشاشة من خلاله، وبدل الانشغال بالاجتهاد في تطوير الموهبة والعمل على اكتشاف طاقات أكبر في الذات ربما لم تظهر بعد، تنشغل كل منهن بالفستان و«اللوك» والاستجابة لطلب المصورين، وكلما تفننت في الحركات أُعجب بها المصورون وطالبوها بالمزيد فتصدق أنها نجمة النجوم وأنها «أبهرتنا» بهذه الحركات.
الظاهرة لا تقتصر على مهرجان الجونة، فلهذا الزلزال ترددات ما زلنا نشهدها ونراها حتى الآن. لا داعي لسرد الأسماء، فصفحات «تيك توك» و«إنستجرام» تشهد والكل يراها. ليلى علوي، ما الذي يجبرها على الرقص بهذا الشكل؟ هل لتبدو رشيقة وحيوية و«صغيرة»؟ سمية الخشاب لا تكاد ترى كاميرا هاتف حتى تنطلق بالرقص، حتى على السجادة الحمراء استبدلت الهز بالمشي، علماً أن ما تقدمه هي وغيرها يخلو من أي جمال في الرقص، مجرد حركات لا نفهم الهدف منها. لم يعد الصحفي يسعى خلف فنانة لالتقاط صورة أو إجراء مقابلة، فهن متوفرات أكثر من اللازم، وكلهن عارضات للأزياء وللأبدان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"