ليست أزمة لبنانية خليجية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

كأن لبنان تنقصه عزلة عن محيطه العربي، وقطيعة من أشقائه الذين لطالما دعموه وساندوه ليتجاوز أزماته، ويستعيد بعضاً من استقراره الذي ذهب، وكاد شعبه أن يفقد الأمل في عودته، وعجز عن الحياد الذي قطع العهد على نفسه أن يلتزم به مراراً، ليصبح الحياد انحيازاً فاضحاً إلى كل من لا يريد خيراً لأمة العرب، ويبذل الغالي والنفيس لتظل بعض دولنا ممزقة الأوصال، تائهة في بحر من العنف والصراعات. 
 وكأن لبنان تنقصه قيادات تغيب عنهم الحكمة في القول، والوعي في الفعل، والصواب في القرار، ليخلق وزير إعلامه أزمة جديدة بعد أن تجاوز في حق الأشقاء، ووصف الحرب التي تخوضها السعودية دعماً للشرعية اليمنية بأنها حرب عبثية، متجاهلاً أن المتمردين الحوثيين هم الذين سطوا على البلاد. 
 من يقول إن مذيعاً اشتهر من خلال برنامج مسابقات يصلح أن يكون وزيراً مخطئ، ومن يقول إن الوزير التابع يمكن أن يكون مستقلاً في مواقفه حراً في قراراته واهم، ومن يقول إن الوزير الذي يفرضه رئيس حزب أو تيار أو جماعة أو حركة على رئيس الحكومة سيكون الأصلح لشغل هذا المنصب. 
 لو كانت الحكومة اللبنانية حكومة مستقلين لا تابعين، لما رضخ هذا الوزير، أو ذاك، لإرادة رئيس تياره، ولما ارتعب من تجاوز تعليمات المظلة التي يستظل تحتها، هو وولي نِعمه. 
 الأزمة الحالية ليست أزمة لبنانية خليجية، ولكنها أزمة لبنانية داخلية، والموقف الخليجي، سواء بسحب أو طرد السفراء، أو بمنع المواطنين الخليجيين من زيارة لبنان، أو بوقف التعامل اقتصادياً مع لبنان، ليس سوى رد فعل على تجاوزات لم تعد مقبولة، خصوصاً أن الإساءات الصادرة عن شخصيات رسمية لبنانية في حق الخليج وأهله متكررة، وقبل أشهر كانت صادرة عن وزير الخارجية السابق، واليوم عن وزير الإعلام، وقد تكون المقبلة على لسان وزير رابع، وخامس، وسادس، وسيتكرر السيناريو، وسيظل رئيس الحكومة عاجزاً عن اتخاذ موقف مع وزير وزّره غيره. 
 من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، سيجد أن قطاعاً عريضاً من اللبنانيين أبدى انزعاجاً كبيراً من تصريحات الوزير، ومن إصرار بعض المتحكمين في القرار اللبناني على الزج بالدولة في أزمات تلو أزمات، ومن الإدلاء بتصريحات تزيد لبنان عزلة، وتفتت أواصر الأخوّة بينه وبين أشقائه.
 كل لبناني أدلى بدلوه في هذه الأزمة باللغة التي تناسبه تعبيراً عن سخطه من التصريحات، أو تأييده لها، حسب انتمائه السياسي، فهناك قطاع كبير حريص على علاقة لبنان بمحيطه العربي، وهو الذي صرخ بأعلى الصوت مطالباً الوزير بالاستقالة، والدولة باتخاذ موقف منه، محذراً من عواقب العناد والصلف. وفي المقابل، أثنى الفريق الآخر على الوزير كأنه بإساءته للأشقاء قد عثر على حلول لمشاكل لبنان المستعصية، وكأن خلاص لبنان في إبعاده عن محيطه العربي. 
 رئيس وزراء لبنان لم يدّخر جهداً خلال حضوره قمة جلاسكو للمناخ بحثاً عن مخرج للأزمة التي تسبب بها وزير الإعلام، ووصل الأمر إلى حد مناشدته بالاستقالة، وهو يعلم جيداً أن هذه الاستقالة ليست بيد الوزير، ولا يملك قرارها رئيس الحكومة، ولكنها قرار من يديرون الحكومة والدولة ب«الريموت كونترول»، والذين لا يريدون لها سوى الغرق في أزمات أكبر، أملاً بمزيد من السيطرة على القرار والدولة. 
‎ ليت متزعمي لبنان يستمعون إلى صوت الحكمة الصادر عن قطاع عريض من اللبنانيين، ومن سياسيين سابقين، ومن شركاء في الوطن، عبّروا عن استيائهم من الوزير وتصريحاته، ويمنحونه ترخيصاً بالاستقالة، لعل ذلك يجنب الشعب الموجوع مزيداً من الآلام، ويجنب الحكومة سقوطاً يلوح في الأفق، ويجنب الدولة فراغاً يطرق الأبواب. 
 نعم، لبنان اليوم مخطوف، ولكن دروس التاريخ تؤكد أن دوام الحال من المحال، وفكّ أسْر لبنان قادم لا محالة، طالما أن إرادة العروبة، وإرادة تجاوز الطائفية، وإرادة الحياة، تتمكن من شبابه الذين ثاروا في أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٩، وصرخوا بأعلى الصوت «كلّن يعني كلّن»، ويكفيها رسالة تؤكد أن المنظومة الحالية غير مقبولة شعبياً، ولن تدوم طويلاً، مهما تحايلت، وخدعت، وتجاوزت.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"