مخاطر تغير المناخ

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

بداية، من الضروري التأكيد على أن التغيرات المناخية على سطح الأرض باتت واحدة من أبرز التحديّات الراهنة التي تواجه العديد من دول العالم، فالتغيّر الحاصل في عناصر المناخ، بخاصة ارتفاع درجات الحرارة وندرة التساقط المطري، وغيرهما من العناصر الرئيسية المؤثرة مناخياً، باتت تهدد الكرة الأرضية، والوجود البشري عليها. وأصبحت دول كثيرة ذات المناخ الصحراوي أكثر البيئات تضرراً جراء التغير المناخي على حساب مساحات الإقليم شبه الجاف، في الوقت الذي يتعرض فيه عشرات، بل مئات الأفراد للخطر بسبب المظاهر المختلفة لهذا التغيّر، مثل الفيضانات، الجفاف، التصحّر، موجات الحر والبرد المفاجئ، والأعاصير، وغيرها من العوامل التي تؤثر بشكل فعلي في خطط التنمية في البلدان التي تصاب بها.
 لهذا لجأت العديد من دول العالم إلى تنقية مياه البحر لإيصال المياه إلى مواطنيها والقاطنين فيها. من زاوية ثانية، وفقاً للعلماء، فإن ذوبان التربة الصقيعية يسبّب انبعاث ثاني أوكسيد الكربون والميثان، وغازات أخرى من تلك التي تفاقم ارتفاع درجات الحرارة. ومن أجل ذلك عُقدت قمة في الرياض العام الماضي، تحت شعار «من أجل عالم أخضر»، حضره العديد من الدول، من أجل تعزيز التعاون وتوحيد الجهود فيما بينها لتنفيذ الالتزامات البيئية المشتركة.
 كما تستضيف مدينة جلاسكو الإسكتلندية المؤتمر السادس والعشرين «كوب 26» للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية التي جرى توقيعها في أغسطس/ آب الماضي سُمّيت ب«الإعلان العالمي لخطر التغيّر المناخي» الذي دقّ جرس إنذار حول التغير المناخي ومخاطره المستقبلية، وقد علّق عليه خبراء المناخ كثيراً من الآمال لتجنب السيناريو الأسوأ لمناخ الأرض مستقبلاً. فهل تنجح قمة جلاسكو في ما فشلت فيه قمة باريس قبل خمس سنوات، عندما وقعت الدول «اتفاقية باريس للمناخ» الذي وضع هدفاً للحد من الاحتباس الحراري عند أقل من درجتين مئويتين، في الوقت الذي يفضّل خبراء المناخ ألا يزيد على 1.5 درجة مئوية لتجنّب تغير كارثي للمناخ؟ 
 أيضاً، مع الأسف لم تلتزم أغلبية الدول بقرارات قمة باريس للحدّ من الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة الحرارة لتجنّب تغير كارثي للمناخ. وقد اتفق معظم الخبراء على أن الاحترار سيتواصل خلال العقود المقبلة، وسيتجاوز مستوى 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن الجاري عام 2050.
 إن أحد أهداف قمة جلاسكو، مساعدة الدول الفقيرة على التحول للطاقة النظيفة، أي ستبقى هناك نافذة ضيقة من الفرص لا تزال ممكنة إذا تمكنت الدول من خفض الانبعاثات الحرارية على الصعيد العالمي إلى «صفر» درجة مئوية، وتتمثل الأهداف الرئيسية لمؤتمر «كوب26» في إلزام الدول بوضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات الغازيّة المفاقمة لدرجة الحرارة حتى عام 2030، بما يعني أن نجاح القمة سيجنّب البشرية العديد من الوفيات المبكرة، والمزيد من الهجرات الجماعية، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة، وإلى مساحات شاسعة من الأراضي غير الصالحة للعيش، إضافة إلى احتمال وجود صراع عنيف بين الدول على الموارد والغذاء، ما أطلق عليه الأمين العام للأمم المتحدة «المستقبل الجحيم».
 ومن النقاط الإيجابية لمؤتمر جلاسكو أن المجموعة العربية دفعت بورقة متفق عليها بشكل موحّد تطالب فيها إلزام الدول المتقدمة بتنفيذ تعهداتها بضخ 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية والأقل نمواً، مع العمل على تحديد الهدف العالمي الجديد للتمويل والذي لا بد أن يعتمد على المنح، وليس القروض، مع تسهيل إجراءات الحصول عليها، وهذا سيكون سابقة إيجابية بشأن التمويل ضمن موقفها الذي شددت فيه على السعي خلال المفاوضات لزيادة التدفقات المالية من الدول الغنيّة، كما التعجيل بها، مع تخصيص التمويل اللازم لمعالجة الخسائر والأضرار الناتجة عنها بوصفها عنصراً حاسماً في الاستجابة العالمية لتغير المناخ.
 كما أكدت الورقة على أهمية التوزيع العادل للتكنولوجيا، ودعم بناء قدرات الدول النامية الذي تقدمه الدول المتقدمة لتمويل تدابير التكيّف مع زيادة تمويله بشكل كبير، مقارنة بالمستويات الحالية، ووضع منهجيات لتحقيق ذلك بهدف تفعيل المادة السابعة من اتفاق باريس وإجراءات التكيف لربطها معه، والأخذ في الاعتبار فوائد التخفيف المصاحبة له وتوافر مبدأ المرونة في الإرشادات (المساهمات في سياق التنمية المستدامة)، وضمان الربط القوي بين الإجراءات والدعم.
 وقد جاء الاتفاق حول المادة السادسة من اتفاق باريس مختلفاً هذه المرة في ورقة الموقف الموحد عن المرات الماضية، حيث اتفقت الدول على «التطرق خلال المفاوضات لمبدأ المرونة في ما يتعلق بالمتطلبات الفنية للمشاركة في الأنشطة بما في ذلك ضرورة احترام تنوع المساهمات والكفاءات المحددة وطنيا».
 يبقى القول إن المراهنة على التخلص من سلبيات عوامل التغير المناخي مرهونة بدرجة كبيرة بالعمل الجاد من كل دول العالم على التعاون لأجل هذا الهدف السامي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"