الوجه الحسن

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

لم تعد الأرض منزعجة من ضوضائنا، هل اعتادت هذا الروتين المزعج أم استسلمت لرغبة الإنسان الجامحة في فرض إرادته وغوغائيته عليها؟ 
رغبة الإنسان لا حدود لها ولا ضوابط، ما وضع هذا الكائن يده على شيء إلا وبحث عن «الوجه الآخر» له ليعيد استغلاله بشكل مختلف، والاختلاف غالباً ما يكون سلبياً. حتى الابتكارات الذكية يستخدمها لأغراض سلبية وكأنه يمل من اللون الأبيض فيسرع ليلطخه ببقعة سوداء أو ملونة.
ثرثار هذا الإنسان، يعشق ذاته ويميل إلى الغرور أكثر من التواضع، وإلا بماذا نفسر تعلّقه إلى حد الالتصاق بالهاتف المحمول ومن خلاله بصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي وإدمانه لها إلى حد التخلي عن أسراره وخجله من أجلها، والإصرار على نقل كل تفصيلة في حياته إلى العلن ويسعى جاهداً إلى لفت أنظار الملايين كي يشاهدوه في بث حي ومباشر من داخل غرفته أو في مطبخه أو في أي مكان يذهب إليه؟ ولا داعي لأن يتتبعه أحد أو يتجسس عليه، فهو يقدم للجميع خدمة مجانية بمعرفة كل تحركاته والأماكن التي يقصدها ومع من ومتى وما هي مخططاته وأحلامه ومشاكله مع أهل بيته..
ليته يكتفي بالوجه الحسن لهذه الوسائل الحديثة للتواصل والاتصال بين البشر، وليته يقف عند حدود التسلية والترفيه من خلالها، فيسخّرها من أجل مصلحته ومصلحة البشرية والحياة على هذا الكوكب. ما الضرر الذي يعود عليه إذا نشر المعلومات المفيدة فقط وساهم في إنقاذ أحد أو التنبيه من خطر أو التوجيه والتعليم في شؤون ومواضيع عامة ومهمة؟ ماذا سيخسر لو أنه أفاد واستفاد من كل الصفحات والمواقع والمنصات وزاد من الإيجابيات في العالم الافتراضي لعله يكون أفضل حالاً من العالم الحقيقي؟. 
«تيك توك» الذي صار حديث الناس ويتابعه الملايين حول العالم، والذي يتنافس الشباب والكبار لنشر يومياتهم وقصصهم و«تفاهاتهم» عليه، حتى ولو كانوا من المشاهير في الفن، كشف لنا عن جانب إيجابي يمكن للإنسان استغلاله وبقوة كي ينشر الخير بدل نشر التفاهات طوال الوقت، حيث ساعد في إنقاذ مراهقة أمريكية لم تتجاوز ١٦ عاماً من رجل اختطفها في نورث كارولينا. فبفضل انتشار فيديو يعلّم الناس كيفية طلب المساعدة في حال التعرض للعنف المنزلي أو الاختطاف بالإشارة لا بالصراخ أو الكلام، تمكنت هذه الفتاة من رسم إشارة طلب المساعدة والإنقاذ بيدها أثناء مرورها في الشارع مع خاطفها فرآها أحدهم وفهم الرسالة فبادر فوراً بالاتصال بالشرطة التي لحقت بالسيارة وأنقذت الفتاة. 
كل حدث ولو فردي في لحظات يصبح عالمياً، ينتشر كالبرق ويلمع أمام أعين الجميع، فلماذا لا نستغل الوجه الحسن للسوشيال ميديا طالما أنها المعلّم الأول والمؤثر المباشر في الأطفال والشباب اليوم، ونجيد توجيههم لما يساعدهم سواء في معلومات طبية أو سلوكية أو تربوية وأخلاقية..؟!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"