«الكبار» أمام الأزمة الأكبر

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

الأزمات التي يعانيها عالمنا متعددة الملامح والعواقب، فلكل دولة أزماتها التي تتحمل وحدها مسؤولية البحث عن حلول لها، ولكل قارة مشاكلها التي تتأثر بها جميع دولها، ولكل إقليم أزماته التي تفرض على دوله التعاون بحثاً عن مخارج منها، وللكوكب أزماته التي تعانيها جميع دول العالم، وتلقي بظلالها على كل شبر في قاراته المختلفة ويمكن أن تهدد حياة أي إنسان يعيش على الأرض بصرف النظر عن موقعه.

عاش العالم بكامله تفاصيل أزمة كورونا التي فرضت على معظم دوله الإغلاق وحددت إقامة مليارات البشر احتماء من مطاردات الفيروس الذي قتل أكثر من خمسة ملايين إنسان وأصاب ما يقرب من ٢٥٠ مليوناً حول العالم. تحولت مقاومة كورونا واللقاح والعلاج إلى قضية سياسية بامتياز، بعد أن تخطى القرار بشأنها الأطباء والعلماء ووزراء الصحة ليصبح من اختصاص القيادات.

خلال هذه الأزمة الكوكبية أكد الساسة أنهم أهل خلاف واختلاف، بعد أن عجزوا عن التوحد في الحرب ضد كورونا، وسعى كثير منهم لاستغلال الأزمة في جني مكاسب خاصة، بصرف النظر عما ينتج من عواقب على بني الإنسان، وعلى الرغم من ذلك سقط بعضهم في الاختبار الذي لا يزال مستمراً وسيسقط آخرون في المستقبل القريب.

الأزمة الأكبر، هي التغير المناخي والاحتباس الحراري الذي أصبح يهدد الإنسان في كل مكان، في حياته ووجوده؛ حيث تسجل الكوارث الطبيعية ازدياداً ملحوظاً عاماً بعد عام، ونالت الفيضانات والبراكين والزلازل والحرائق والعواصف من البشر والحيوانات والزواحف والنباتات والبحار والمحيطات وكافة الأنواع الطبيعية في مختلف القارات، ومن كان مناخه بارداً في الماضي أصبح حاراً، ومن كان مجمداً ذاب، وما كان رطباً جفّ، وكل ذلك نتيجة انبعاثات الكربون والميثان والغازات السامة، بجانب ما أفرزته هذه الانبعاثات من فيروسات وما سببته من أوبئة وأمراض حيّرت الأطباء والعلماء.

من تابع قمة التغير المناخي في جلاسكو واستمع إلى كلمات قادة الدول الكبرى وما حملته من إنذار وتحذير من القادم، شعر وكأنهم ودولهم هم الضحايا، على الرغم من أن الحقيقة الساطعة كالشمس هي أنهم هم مَن أفسدوا في الأرض ونشروا السموم في الهواء وسطوا على خيرات العالم، من أبواب الاستعمار السياسي والهيمنة الاقتصادية واحتكار الحقوق والقرارات والتمييز العنصري.

الغريب أن الدولة الأكثر تلويثاً للبيئة والأكثر نيلاً من المناخ هي الأكثر تقاعساً، فبالأمس قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للتغير المناخي، على الرغم من أن أمريكا تحتل المركز الأول في الانبعاثات الضارة عالمياً وبنسبة ٢٥ في المئة. وليس خافياً نسب مساهمات الصين وروسيا، اللتين تغيب زعيميهما عن قمة جلاسكو، ولعل في غيابهما ما يعكس عدم الاهتمام بجهود البحث عن مخرج لأزمة الكوكب الكبرى.

قادة الدول الكبرى، بعضهم يتحدث كثيراً عن هذه الأزمة ويفعلون قليلاً، لتأتي كلماتهم جوفاء بلا معنى وليس من ورائها سوى مداعبة مشاعر ناخبيهم، وبعضهم يستهين بالأمر وكأن لسان حالهم يقول «دع الاحتباس الحراري يخلص الكوكب من ضعفاء وفقراء البشر» غير مدركين أنهم هم ذاتهم قد يكونون من أوائل من يلتهمهم خلل المناخ، ولعلهم يتعظون من درس كورونا. ولو أن كبار العالم يوفون بما يعدون به خلال المؤتمرات وأمام الكاميرات لنجحوا في محاصرة الانبعاثات السامة وإنقاذ الكوكب وحماية الإنسان والحفاظ على الأنواع البرية والبحرية المتنوعة وإنقاذ المدن والجزر المهددة بالغرق والاختفاء.

إنقاذ الأرض ليس مسؤولية دول بعينها، لكنه مسؤوليتنا جميعاً، دولاً وحكومات، حكاماً ومحكومين، أغنياء وفقراء، وهو ما لن يتحقق إلا بحملات من التوعية للأفراد والشعوب للتقليل قدر الإمكان من الانبعاثات الضارة، وبقرارات وإجراءات تنفيذية فورية من الحكومات حتى لا يتجاوز ارتفاع الحرارة الدرجة والنصف المسموح بها إلى حين الوصول إلى الثبات المأمول في الحرارة.

الإحساس بالمسؤولية تجاه الأرض والمساعي لإنقاذها لن تتوقف، وقد أصبحت هماً لدول ليس لها دور يذكر في نشر الغازات السامة، لكن تسعى لدور كبير في محاصرتها، ومنها مصر التي ستستضيف على أرض شرم الشيخ قمة المناخ العام المقبل، والإمارات التي ستنظم القمة عام 2023.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"