خطوة أمريكية صينية أولى

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

انعقدت القمة الافتراضية بين الرئيسين الأمريكي والصيني، وانفضت من دون مفاجآت، ولم تجانب ما كان منتظراً منها، ومثلما تبادل جو بايدن وشي جين بينغ المجاملات والابتسامات عن بعد، تبادلا التحذيرات أيضاً، لكنّ لقاءهما المطول، في حد ذاته، إنجاز سياسي يمكن البناء عليه دون رهانات كبيرة، فالبلدان بينهما تنافس شديد ونقاط خلاف عديدة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى صراع مفتوح.

الحوار بين أكبر قوتين اقتصاديتين على خلفية جملة من التوترات بينهما يسمح للعالم بالتقاط أنفاسه ويتيح للمجتمع الدولي العمل على حل القضايا الاستراتيجية، فقد استبشر مؤتمر المناخ الأخير في غلاسكو بالاتفاق بين واشنطن وبكين على مواجهة الاحتباس الحراري، الذي بات التهديد الأكبر للجميع. كما أن التعاون بين البلدين مطلوب أكثر من أي وقت لتسريع التعافي من آثار جائحة «كورونا». أما الخلافات بين دولتين عظميين كالولايات المتحدة والصين فستظل وستتعدد في المستقبل، بشرط أن تظل تحت السيطرة. فالصراع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ سيستمر، والحرب التجارية القائمة ستفتح جبهات جديدة، والمناكفات حول تايوان لن تصل إلى توافق أبداً، والوضع في هونج كونج سيبقى مثاراً للجدل، والسباق التقني والعلمي والتكنولوجي لن يهدأ. وكل هذه الملفات هي مجال التنافس الشرس بين واشنطن وبكين، وسيكون مجلس الأمن والمؤتمرات الأممية ميداناً نموذجياً لإدارة هذا الصراع، الذي لا يرغب أحد من الطرفين أو المجتمع الدولي عامة في خروجه عن هذه الحدود.

لقد شدد بايدن وشي على ضرورة إبقاء «الاحترام المتبادل» بين الجانبين ودعمه في المستقبل، وأكدا المحافظة على «حواجز أمان» بين البلدين، أما أهم شيء فهو الاعتراف بمسؤوليتهما المشتركة تجاه العالم، ومن معاني هذا الاعتراف إقرار أمريكي بأن عهد القطب الأوحد قد أفل، وبدأ عصر جديد يتّسم بتعدد الأقطاب، فعالم اليوم ليس الولايات المتحدة والصين فحسب، بل هناك روسيا، القطب الثالث، والاتحاد الأوروبي، وكل هذه الأطراف تتحمل مسؤولية جماعية عن الأمن والسلام ورفاه البشرية وحماية مستقبلها من كل الأخطار المحتملة.

قمة بايدن وشي ربما تكون خطوة أولى للتهدئة وضبط مسارات الصراع والتنافس، وربما ستشجع أطرافاً أخرى إلى الانخراط في هذا المناخ الإيجابي، خصوصاً في ضوء التوتر الجاري بين حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا على أكثر من نقطة تماس، في البحر الأسود وأوكرانيا والحدود بين بيلاروسيا وبولندا وفي الفضاء أيضاً، ففي كل هذه الجبهات هناك «لعب بالنار» واستفزازات وحشود عسكرية وحرب دبلوماسية، وكلها عوامل لا تساعد على الاستقرار وتضع العالم، كما تؤكد المؤشرات، على شفير صراع مدمر سيقضي على الآمال في التعايش والسلام والازدهار.

مشكلات البشرية المتراكمة لن تحلها الحروب وافتعال النزاعات، بل الحوار والاحتكام إلى القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، والدول المسؤولة لا يمكن أن تنجرّ إلى الصراعات، بل يجب عليها أن تقيم جسور التعاون بين الأمم والشعوب كافة، وتوظف ما تمتلكه من مصادر قوة هائلة في خير الإنسان وصالحه، وليس في تدمير الحياة ونسف الكون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"