فرنسا تتخلى عن أزرقها

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

في العالم المعروف ب«النامي»، ودولنا العربية ضمنه، بوسع الرئيس أو من هو في حكمه أن يغيّر علم الدولة ساعة شاء. معمر القذافي، مثلاً، ألغى علم ليبيا الملكية وفرض عليها علماً من لون واحد هو الأخضر، ليتماشى مع كتابه الأخضر ومع جماهيريته، «الليبية الشعبية الاشتراكية»، فاكتفى بالأخضر متجاهلاً بقيّة ما قاله ابن مدينة الحلة العراقية شاعرنا الكبير صفي الدين الحلي الذي عاش في الفترة التي تلت مباشرة دخول المغول لبغداد، في أبياته: «بيض صنائعنا سود وقائعنا/ خُضر مرابعنا حمر مواضينا». وحين سقط نظام القذافي أعيد العلم الليبي القديم. 
صدّام حسين، هو الآخر وفي غمرة حربه مع إيران، أدخل إضافات على علم العراق، ومثل القذافي وصدّام كُثر فعلوا أشياء مشابهة.
إن بدا ذلك أمراً عادياً في عالمنا النامي، فإنه يبدو لافتاً ومثيراً للفضول حين يحدث في الدول الديمقراطية العريقة، ومن ذلك ما فعله، مؤخراً، رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون حين عدّل اللون الأزرق في علم بلاده المرفوع عند واجهة القصر الرئاسي ليعود إلى اللون الكحلي المستخدم قبل عام 1976.
الرئاسة الفرنسية التي أعلنت ذلك قالت إن غاية الرئيس ماكرون من اختيار اللون الأزرق الكحلي هو التذكير بالبطولات التي تحققت في البلاد خلال الثورة الفرنسية والحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يبدأ الأمر دفعة واحدة، فقبل تعديل أزرق العلم الفرنسي المرفوع على الإليزيه اعتمد اللون الكحلي في بادئ الأمر مع الأعلام التي تُوضع خلف ماكرون خلال خطاباته اعتباراً من نهاية 2018، ولعلّ قلةً من لاحظوا ذلك.
ستقرأ ونحن نتتبع خلفيّات هذا التغيير أن اللون الأزرق الفاتح الموجود على العلم الفرنسي هو من اختيار الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان سنة 1976 للتماشي مع لون علم الاتحاد الأوروبي، الذي كانت فرنسا وما زالت تعدّ من أكثر الدول الأوروبية حماساً له. وربما لولا التوضيح الذي أعلنته الرئاسة الفرنسية حول أن الهدف من تغيير ماكرون لدرجة الأزرق هو التذكير بالبطولات التي تحققت في البلاد خلال الثورة الفرنسية والحربين العالمية الأولى والثانية، لكان بالوسع القول إن الأمر قد يحمل رسالة سلبية تجاه الاتحاد الأوروبي.
نستنتج إذن أن ماكرون ليس الرئيس الفرنسي الأول الذي غيّر اللون الأزرق في علم بلاده، فقد سبقه إلى ذلك ديستان، بل يمكن القول إن ما قام به ماكرون هو عودة للون الأصلي. 
وحسب الصحافة الفرنسية، فإن فكرة العودة للون الأصلي تعود إلى مدير العمليات في الإليزيه أرنو جولنس، وإن التغيير كلف خمسة آلاف يورو.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"