كل إنسان مؤرخ نفسه

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

كل واحد منا، ودون أن يقصد أو يعي، يكتب تاريخه الخاص به كفرد، بدءاً من التمارين المدرسية والجامعية التي أنجزناها والامتحانات التي أجبنا، كتابة، على أسئلتها، مروراً بالاستمارات التي نمضي عليها في مواقع عملنا أو في إنجاز معاملاتنا المصرفية، وفي الرسائل التي نكتبها لأحبتنا وأصدقائنا وحتى خصومنا، وحتى في التعليقات التي ندوّنها على هوامش صفحات كتاب نقرأه.
هذه الفكرة عرضها بشيء من الاستفاضة، وتحت العنوان أعلاه، لويس جوتشلك في كتابه الموسوم «كيف نفهم التاريخ»، وهو كتاب مضت عقود على صدوره، وتكفي الإشارة إلى أن ترجمته إلى العربية صدرت في العام 1966، أي قبل أكثر من نصف قرن بسنوات، ووضع هذه الترجمة كل من د. عائدة سليمان عارف ود.أحمد مصطفى حاكمة، والكتاب مرجع مهم لدارسي التاريخ في مختلف مراحل الدراسة الجامعية والعليا، وكذلك للشغوفين بالتاريخ عامة.
لا نعلم إذا كانت طبعات جديدة لهذا الكتاب متيسرة أم لا، وإن كنا نرجح عدم وجودها، وهذا ينبهنا، ونحن في غمرة الإصدارات والترجمات حديثة الصدور، والتي قد تثير اهتمام القراء المهتمين بمتابعة كل ما هو جديد، أننا كثيراً ما ننسى أو نتجاهل كتباً مهمة قديمة، سواء كانت مؤلفة بلغتنا العربية أو مترجمة إليها من لغات أخرى، قد تكون أعمق محتوى وأكثر فائدة من نظيرتها الجديدة.
ما أراد مؤلف «كيف نفهم التاريخ» قوله إن التاريخ الذي يمكن أن نطلق عليه «الجمعي» أو العام هو في النهاية حصيلة مجموعة تواريخ منفصلة للأفراد، وبشيء من التأمل في هذه الفكرة سنلاحظ صحتها وأهميتها المنهجية في قراءة التاريخ، أكان تاريخ بلد أو جماعة أو أمة أو ثقافة.
ويبدو لنا أن الأدب، سواء كان كتّابه واعين لهذا الأمر أو غير واعين، يفعل شيئاً مشابهاً خاصة حين يتصل الأمر بجنس الرواية، فمن خلال سيرة بطل أو أبطال العمل الروائي، يقدّم هذا العمل صفحات ويضيء جوانب من تاريخ المجتمع أو البيئة التي تدور فيها أحداث الرواية، أي أن السيرة التي تبدو محض فردية، هي في صورة من الصور سيرة جمعية.
هناك توضيح أشار إليه لويس جوتشلك في كتابه المشار إليه، هو أن الأمر حين يتصل بكتابة تاريخ الأفراد أو توظيف هذا التاريخ الفردي في فهم التاريخ العام، لا تتوقف على مقام الشخص المعني، وفي شرح ذلك قال المؤلف: «إن اسم كاتب مجهول أو عامل من طبقة دنيا، لو عثر عليه مكتوباً على ورقة بردي، ربما يخلد إلى الأبد، بينما تنسى أسماء ذوي الحول والطول».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"