أوجاع فريدا كاهلو

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

أدت الإصابات التي لحقت بجسد الفنانة التشكيلية فريدا كاهلو في حادث مروّع لحافلة عمومية كانت تستقلها اصطدمت بجدار، إلى اضطرارها إلى التمدد على السرير فترة طويلة، ولم تستسلم الفنانة لوجعها، فقد اختارت لها سريراً متنقلاً كانت تستلقي عليه، ووضعت مرآة ضخمة في سقف الغرفة، وطلبت ريشة وألواناً وورقاً وراحت ترسم بورتريهات متنوعة لنفسها، ساعية لأن تهزم الألم.
لازمتها الأوجاع الناجمة عن تلك الإصابة حتى وفاتها عن 47 عاماً فقط، لكن لم تكن آثار الإصابة البليغة في حادث الحافلة هي المصدر الوحيد لأوجاع تلك الفنانة المتميزة، إنما كانت هناك أوجاع لا تقل شدّة آتية من علاقتها المتوترة مع زوجها، ومما وسم حياتها الشخصية من اضطرابات.
تزوجت فريدا كاهلو من الرسام المكسيكي دييجو ريفيرا وهي في الثانية والعشرين من عمرها، فيما كان هو يكبرها بعشرين عاماً، ولم تسِر حياتهما الزوجية بسلاسة، حيث تطلقا بعد عشرين عاماً من زواجهما، ولكن العاطفة القوية التي شدّتهما لبعضهما بعضاً، حملتهما على العودة لحياتهما الزوجية ثانية بعد عام واحد فقط من طلاقهما.
وتدهورت صحة كاهلو بسرعة، وخلال العام الأخير من حياتها بترت رجلها اليمنى حتى الركبة، بسبب الغرغرينا، كما أصيبت بالتهاب رئوي، وقبل أيام قليلة من وفاتها في 14 يوليو/ تموز 1954، كتبت في مذكراتها: «أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعاً، وأتمنى ألا أعود إليها ثانية»، في تعبير عن خيبتها مما عانته من أوجاع في حياتها، هي التي نشأت على التعلق بالحياة، لكن أقدارها كانت قاسية.
وفي فيلم «فريدا» الذي أجادت فيه الفنانة سلمى الحايك أداء دور الفنانة، يمكننا التعرف إلى محطّات رئيسية في حياة كاهلو، لنرى أوجه المفارقة بين شغفها بالحياة والفن، وما جرّته الأقدار عليها من مصائب، فوجدت في الرسم متنفساً للهروب من آلامها وعذاباتها وقدرها التعس، لتخلف تراثاً تشكيلياً رائعاً، ما زال يثير اهتمام المهتمين بالفن، والشغوفين بالتعرف إلى تفاصيل حياة مبدعة هذا التراث.
وقبل أيام قليلة فقط، حطمت لوحة لها رقماً قياسياً في مزاد أقامته دار «سوذبيز» بمقرها في نيويورك، إذ بيعت ب34.9 مليون دولار، وتحمل اللوحة عنوان «دييجو وأنا»، وهي بورتريه ذاتي لها يظهر فيه زوجها دييجو على جبينها، ما يرينا مجدداً أن الزوج الذي كان أحد أسباب شقائها ظلّ، رغم ذلك، محبوبها وملهمها، وهو الذي كتب في سيرته الذاتية أن اليوم الذي ماتت فيه كاهلو كان أكثر الأيام مأساوية في حياته، وأنه اكتشف متأخراً، أن الجزء الأفضل من حياته كان حبه لها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"