الإمارات.. والحياد المناخي

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تجد البشرية نفسها الآن في منعطف تاريخي مهم من حيث علاقتها بالعالم الطبيعي المحيط بها، منذ أن ترك الإنسان بصماته على الكرة الأرضية، بما فيها من مكونات، الهواء وأعماق البحار والمحيطات وفي الغابات والجليد القطبي وغيرها من مكونات الكوكب الذي نعيش عليه.

فخلال السنوات الماضية، أحدثت النشاطات البشرية تأثيراً بالغاً على كوكب الأرض، ما استدعى تدخل المشرعين والغيورين للحد من هذه الكوارث التي قد تتسبب بهلاك الكائنات الحية على سطح الكوكب وأولها البشر.

منذ ذلك الحين أصبح التغير المناخي أحد أهم القضايا التي تشغل بال الحكومات والمنظمات المهتمة بالبيئة، خاصة في أوروبا، لأن ذلك قد يتسبب بكارثة كبرى لعموم الكرة الأرضية، ولأوروبا على وجه الخصوص. فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ذوبان ثلوج القطب الشمالي ووصول المياه العذبة إلى بحر الشمال، سيؤدي إلى تجمد هذا البحر، ما سيجعل منطقة شمال أوروبا عبارة عن صحراء ثلجية، وهذا سيؤدي إلى زوال دول بأكملها من الوجود، وعلى رأسها ألمانيا.

وقد اتفقت دول العالم في مؤتمر باريس للمناخ، في ديسمبر/كانون الأول 2015، على تخفيض نسبة انبعاث الكربون إلى مستوى 1,5 في المئة، بهدف تحقيق الحياد الكربوني والحياد المناخي بحلول عام 2050. ويُقصد بالحياد الكربوني تحقيق التوازن بين انبعاث الكربون، وبين امتصاصه من الغلاف الجوي ومن قبل مصارف الكربون الأخرى مثل النبات والتربة والمحيطات. ويُقصد بالحياد المناخي، تجنب إنتاج أي انبعاثات كربونية زائدة عن المستوى الموصى به دولياً، وهو 1,5 في المئة.

ووفقاً للتقديرات، فقد بلغت انبعاثات غاز الكربون العالمية، 38 جيجا طن. خلال الأعوام الماضية، وهذه النسبة في ارتفاع في ظل اتساع مصادر انبعاث الكربون في المجتمعات البشرية. وتستطيع مصارف الكربون الطبيعية أن تزيل ما بين 9.5 و11 جيجا طن من هذا الغاز سنوياً. في حين أن النسبة الباقية منه تترسب في الغلاف الجوي للأرض، وتؤثر بشكل سلبي في هذا الغلاف، وتعمل على تخريب تركيبته المتوازنة، والتي تحول دون وصول كميات زائدة من الأشعة الشمسية إلى الأرض. ويسعى العلماء إلى ابتكار طرق لسحب الكربون من الغلاف الجوي، لكن ذلك يتطلب إمكانيات كبيرة، كما يحتاج إلى مدة طويلة قد تستغرق قرناً من الزمان أو أكثر لسحب كل الكميات الزائدة المترسبة في الجو من هذا الغاز، وذلك بشرط أن يتحقق الحياد الكربوني في العالم أجمع.

وقد وضعت الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات، عدة مؤشرات لضمان التنمية المستدامة، وزيادة كفاءة الموارد دون التأثير على البيئة بشكل سلبي. وتم إطلاق الخطة الوطنية للتغير المناخي، والتي تمثل خارطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الوطنية الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية. وفي هذا الصدد فقد بدأ العمل في تنفيذ أربعة عشر مشروعاً، تهدف جميعها إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة تحت مظلة مشاريع آلية التنمية النظيفة. ويقدر إجمالي الانخفاض السنوي المتوقع لهذه المشاريع بحوالي مليون طن من الكربون. وفي جناح الإمارات بمعرض «إكسبو»، تم الإعلان عن المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي لدولة الإمارات بحلول عام 2050. وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «إن دولة الإمارات ستستثمر أكثر من 600 مليار درهم في الطاقة النظيفة والمتجددة حتى 2050».

لا شك أن إعلان دولة الإمارات عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، هو دليل على الإرادة الجادة، والعمل الدؤوب لدى القيادة الرشيدة، لتحقيق استدامة المناخ ليس في الإمارات وحدها، وإنما في العالم أجمع، وبما يسهم في تحقيق أهداف المجتمع الدولي بتحقيق حياد الكربون خلال هذا القرن، وإنقاذ الأرض من كوارث حتمية قادمة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"