عادي
أنابيل جونزاليس نائب المدير العام ل «منظمة التجارة العالمية» ل"الخليج":

التقنيات الرقمية تعزز التجارة العالمية ب 34% بحلول عام 2030

21:05 مساء
قراءة 7 دقائق
2

حوار: ملحم الزبيدي

أكدت أنابيل جونزاليس، نائب المدير العام ل «منظمة التجارة العالمية»، أن التقنيات الرقمية يمكن أن توفر زخماً إضافياً للتجارة بنسبة تصل إلى 34% بحلول عام 2030، وتوقعت أن يزداد حجم تجارة السلع بنسبة 10,8% في 2021.

وأشارت جونزاليس، في حوار مع «الخليج»، إلى أن أبرز مشكلات التجارة الحالية لا تكمن في قلة التجارة، وإنما في الطلب المتزايد على السلع الاستهلاكية المعمرة وطلبات التصنيع المتراكمة، وكذلك اختناقات الشحن والموانئ المكتظة، وإغلاق المصانع، ونقص الرقائق وغيرها من الإمدادات. واعتبرت نائب المدير العام ل «منظمة التجارة العالمية» أن تحديات «كوفيد-19» على التجارة وسلاسل الإمداد ستكون محور بحث مستفيض خلال فعاليات الدورة الثانية عشرة ل «مؤتمر غرف التجارة العالمية» الذي تستضيفه دبي في 23-25 نوفمبر الجاري، وتنظمه «غرفة دبي» بالتعاون مع «الاتحاد العالمي لغرف التجارة»، حيث سيوفر منصة لمناقشة كيفية تفعيل التجارة العالمية وإعادة الزخم إليها في وجه التحديات.

وفيما يلي نص الحوار:

* أين تكمن أعظم فرص الابتكار وتجديد أنظمة التجارة العالمية في أعقاب الجائحة؟

- من الواضح أن منظومة التجارة العالمية تحتاج إلى التكيف مع عالم سريع التغير وحافل بالتقنيات والطرق غير المسبوقة لمزاولة الأعمال التجارية، والمترافقة مع التحديات المتزايدة لتغير المناخ والأوبئة المستقبلية، وهذا يأتي طبعاً في حال كانت لدى المنظمة الرغبة في مواصلة دورها لتعزيز القدرة على التنبؤ والاستثمار والنمو. وما يبشر بالخير هو أن أعضاء منظمة التجارة العالمية يعملون حالياً على تحديث كتاب القواعد الخاص بنا.

وإلى جانب القضايا التقليدية المعروفة مثل الزراعة والتنمية، فإنهم يتناولون الآن القضايا التي تميز تجارة القرن ال 21 مثل التجارة الإلكترونية أو تسهيل الاستثمار وتنظيم الخدمات. وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها فعلياً. وبات أعضاء منظمة التجارة العالمية ال 65 ممن يشاركون في مبادرة التنظيم المحلي للخدمات، يوشكون على استكمال اتفاقية من شأنها أن تعالج العديد من التحديات العملية التي تؤثر في قدرة مزودي الخدمات على العمل في الأسواق الخارجية. وتنص الاتفاقية على مجموعة من الضوابط التي من الممكن أن تجعل العملية التنظيمية للحصول على إذن توفير الخدمات أكثر شفافية، وقابلة للتنبؤ، وخالية من الروتين.

ولعل التوصل إلى نتيجة بشأن التنظيم المحلي في منظمة التجارة العالمية سيكون مهماً للغاية كونه سيساعد البلدان على تحسين بيئة أعمالها من خلال خفض تكلفة تجارة الخدمات. وتشكل التكلفة العالية لتجارة الخدمات، والتي تقارب ضعف تكلفة تجارة قطاع التصنيع، عائقاً أمام إنتاجية الاقتصاد بشكل عام لاسيما أن جميع القطاعات الاقتصادية باتت تعتمد وبشكل متزايد على الخدمات، بدءاً من التصنيع، ومروراً بالاقتصاد الرقمي، ووصولاً إلى الطاقة النظيفة.

* كيف تقيّمون مرونة أنظمة سلسلة التوريد العالمية على مدار ال 18 شهراً الماضية؟ وكيف يمكن تعزيزها مستقبلاً؟

- دفع «كوفيد–19» التجارة إلى الانخفاض، حيث أدت عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على السفر وإغلاق الحدود إلى إغلاق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، وبحلول نهاية عام 2020، عادت تجارة السلع إلى مستويات ما قبل الجائحة. ووفقاً لأحدث توقعات منظمة التجارة العالمية، سيزداد حجم تجارة السلع بنسبة 10,8% في عام 2021.

وأبرز مشكلات التجارة الحالية لا تكمن في قلة التجارة، وإنما في الطلب المتزايد على السلع الاستهلاكية المعمرة وطلبات التصنيع المتراكمة، وكذلك اختناقات الشحن والموانئ المكتظة، وإغلاق المصانع، ونقص الرقائق وغيرها من الإمدادات. وفيما لو تعمقنا ما وراء العناوين الرئيسية، سنرى أن التجارة كانت في الواقع مرنة للغاية رغم كل شيء. وخير مثال على ذلك تجارة المنتجات الطبية. فحتى مع انخفاض حجم تجارة السلع العالمية بنسبة 7% في عام 2020، ارتفع حجم تجارة المنتجات الطبية بنسبة 16%. بينما نمت تجارة معدات الحماية الشخصية بنحو 50%، وتجارة الأقنعة النسيجية بنسبة 480%.

* ما الذي تفعله المنظمة لتخفيف الروتين المفرط وإزالة العوائق أمام التوزيع فيما يخص اللقاحات؟

- على مدار العام ونصف العام الماضيين، أصبح من الواضح أن العقبات التي تعترض التشغيل السلس لسلاسل التوريد يمكن أن تعيق إنتاج اللقاح وتوزيعه، وتعرقل عجلة الاستثمار الذي نحن بأمس الحاجة إليه. ولن نتمكن من تطعيم العالم بدون تبني النهج التعاوني في مجال التجارة. وهذا ما دفع أمانة منظمة التجارة العالمية في الآونة الأخيرة للتعاون مع المصنّعين والمنظمات الدولية الأخرى وأعضاء منظمة التجارة العالمية لرصد سلاسل التوريد وتحديد نقاط الاختناق التي تعيق أو تقوض الوصول إلى مدخلات اللقاح، وتفرض حالة من عدم اليقين على الأطر الزمنية للتسليم، كما تزيد من تكاليف اللقاحات.

وتظهر نتائج عملنا، المتاحة للعامة، أن الاختناقات التجارية موجودة في كل مكان: على الحدود، وبين الحدود، وخلفها. وهي تتنوع بين التعريفات والإجراءات الحدودية المرهقة، إلى حظر التصدير، واللوائح المتباينة، ومتطلبات الاختبار المزدوج. لنأخذ على سبيل المثال التعريفات الجمركية على المدخلات الهامة المتعلقة باللقاح والتي قد تصل إلى 12% في العديد من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التي تصنع اللقاحات.

لقد بدأت جهودنا ودبلوماسيتنا الهادئة وراء الكواليس تؤتي ثمارها فعلياً. فقد انخفض عدد القيود التجارية المرتبطة بالجائحة من 116 إلى حوالي 50. وبالإضافة إلى هذه الجهود، يعمل أعضاء منظمة التجارة العالمية حالياً على وضع إطار عمل محتمل بشأن التجارة والصحة في جهود استباقية استعداداً لانعقاد المؤتمر الوزاري القادم لمنظمة التجارة العالمية. ويهدف هذا الإطار إلى: إبقاء سلاسل التوريد مفتوحة، من خلال تسهيل التجارة، والتعامل مع التعريفات والقيود المفروضة على الصادرات، والتعاون بخصوص القضايا التنظيمية؛ وتعزيز التعاون مع المنظمات الأخرى لزيادة القدرة التصنيعية، ولا سيما في البلدان النامية؛ وإيجاد حل عملي للملكية الفكرية يضمن الوصول العادل للجميع مع استمرار حفز جوانب البحث والابتكار.

* ما هي المجالات التي تعتقدون أنها الأكثر احتمالاً للاستفادة من الأدوات الرقمية لزيادة تكامل الأعمال العالمية والتجارة العالمية؟

- بدأت التقنيات الرقمية تغزو العالم بسرعة، حيث تعمل على تغيير طرق التجارة والاستهلاك والإنتاج عموماً. وبدءاً من الذكاء الاصطناعي، ومروراً بإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد، ووصولاً إلى تقنية البلوك تشين؛ تعمل التقنيات الرقمية على إعادة صياغة عادات المستهلك، مما يؤدي إلى ظهور نماذج أعمال جديدة وحتى تجديد طريقة تفاعل الحكومات مع مواطنيها. لقد أدى الوباء إلى تسريع هذه التوجهات، وبالأخص زيادة معدلات التجارة الإلكترونية، والترفيه والتعليم الإلكتروني، والتطبيب عن بعد، وخدمات توصيل الطعام. ولكن حتى قبل ظهور الوباء، كانت قيمة التجارة الإلكترونية العالمية تبلغ 26,7 تريليون دولار مع استقطابها حوالي 1,5 مليار مستهلك. وفي عام 2019، اشترى واحد من بين كل 4 متسوقين عبر الإنترنت سلعاً وخدمات من الخارج - أي حوالي 360 مليون شخص حول العالم.

وكل هذا يفتح آفاقاً جديدة أمام الشركات للاستفادة من الأسواق العالمية. ووجدت دراسة لمنظمة التجارة العالمية أن التقنيات الرقمية يمكن أن توفر زخماً إضافياً للتجارة بنسبة تصل إلى 34% بحلول عام 2030. كما يمكن للتجارة الرقمية أن تصبح حافزاً للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل ومشاركة أكبر للشركات الصغيرة في سلاسل القيمة العالمية. وتماشياً مع هذه التوجهات، يتفاوض أكثر من 80 عضواً في منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، بشأن قواعد التجارة الرقمية في منظمة التجارة العالمية. وأحرز المفاوضون تقدماً ملحوظاً نحو وضع إطار عمل مشترك بشأن الجوانب الرئيسية للتجارة الرقمية، بما في ذلك التوقيعات والعقود والمدفوعات الإلكترونية، وحماية المستهلك الإلكتروني، والبيانات الحكومية المفتوحة، والشفافية.

* في خضم المعركة المستمرة ضد أزمة التغير المناخي، ما هو الدور الذي تعتقدون أن المنظمة يمكن أن تلعبه لدعم القادة العالميين والأعمال التجارية العالمية في إدارة الانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية؟

- يمثل التغير المناخي تحدياً خطيراً للعمل الجماعي. ولإحراز التقدم على هذا الصعيد، ثمة حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات منسقة عبر البلدان والقطاعات. ويمكن للتجارة الدولية ومنظمة التجارة العالمية – بل يجب عليهما - القيام بدورهما. فعلى سبيل المثال، يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تساعد على تقليل الحواجز التجارية لتسريع نشر السلع والخدمات الحالية الصديقة للمناخ وذات الصلة بطاقتي الشمس والرياح، والمركبات والتقنيات الكهربائية لتحديث المباني غير الفعالة. وتعد سياسات التجارة المفتوحة ضرورية أيضاً لتحفيز الابتكار والمساعدة على طرح تقنيات جديدة في السوق مثل البطاريات الحديثة والمحللات الكهربائية للهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه، والتي تعد ضرورية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

ولعل التجارة المفتوحة هي نفسها أداة تكيف فعالة تساعد على تقليص الآثار السلبية للتغير المناخي. ويمكن أن يؤدي الإلغاء التدريجي للتعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية وتنفيذ تدابير أخرى لتسهيل التجارة إلى الحد من تأثير التغير المناخي على نقص التغذية بنسبة تصل إلى 64% في عام 2050. وهذا يعني أن التجارة يمكن أن تنقذ 35 مليون شخص من الجوع بسبب التغير المناخي.

ويمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تضمن تحولاً عادلاً وشاملاً إلى التجارة الخضراء، لا سيما فيما يتعلق باحتياجات وقدرات البلدان النامية. كما يمكن لمبادرة منظمة التجارة العالمية «المساعدة من أجل التجارة» أن تساعد على حشد الاستثمارات من أجل التحول إلى التجارة الخضراء. ويمكن أن تدعم الوصول إلى تقنيات جديدة منخفضة الكربون، وتحسين قدرة الشركات الصغيرة في البلدان النامية على المشاركة في سلاسل التوريد الخضراء. وخلال الفترة (2013 – 2018)، تم تقديم مساعدات بقيمة 65 مليار دولار أمريكي في إطار المبادرة للمشاريع ذات الأهداف المناخية، وهو ما يمثل 26% من إجمالي المساعدات الداعمة لنفقات التجارة. ونحن بحاجة إلى تعزيز العنصر الأخضر في مبادرة «المساعدة من أجل التجارة» عبر تطوير أوجه التآزر مع برامج تمويل الأنشطة المناخية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"