النمو الذي تحركه التكنولوجيا

20:24 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

إن النمو مهم بالنسبة إلى المجتمعات التي تزيد فيها أعداد كبار السن، لأنها تجعل من السهل على الحكومات أن تتحمل وعود الدعم التي قطعتها للمسنين، إلى جانب الفئات الأخرى. وكبر سن العاملين في الحقيقة له تأثيران مختلفان على عملية النمو، فمن الناحية الإيجابية، يعنى وجود قوى عاملة من كبار السن أن العامل النموذجي لديه خبرة أكبر، وبالتالي إذا زاد العمال ذوو الخبرة زادت القدرة الإنتاجية، ولذلك فإن المجتمعات التي يزيد فيها عدد العاملين من كبار السن لابد أن تبدي نمواً أسرع في القدرة الإنتاجية، في الوقت الذي تظل فيه الأشياء الأخرى ثابتة. وفي إحدى الدراسات الرائدة حول النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، قام الراحل ادوارد دينيشون بحسابات بينت أن القوى العاملة الأكثر خبرة تزيد من معدل النمو السنوي لإنتاجية العامل بحوالي 0.13 % بين عامي 1909 و1959.

من الناحية السلبية فإنه بازدياد عمر العاملين في المجتمعات فإنه يحتمل أن توجد بها نسبة قليلة من الشباب الذين لا يعولون أسراً أو أطفالاً، ومن ثم ستقل جماعات الأفراد الآتية قد تتحمل مخاطر تكوين ونمو مشاريع ذات تأثير مرتفع. ومن ثم فإنه في مرحلة ما فإن المجتمعات التي تعاني الشيخوخة يحتمل أن تقل فيها روح ريادية الأعمال الابتكارية (بمعنى تطوير وتنمية مشاريع ذات إمكانيات عالية للنمو). صحيح أن كثيراً من المواطنين المسنين، أو الذين اقتربوا من سن التقاعد في الولايات المتحدة الأمريكية، يتركون الشركات التي يعملون بها ليبدأوا أعمالهم الاستشارية الخاصة بهم أو محالهم المتخصصة، وهو في العادة ما يقوم به المتقاعدون من كبار السن في اليابان، ولكن من الصعب على الأفراد من كبار السن أن يكونوا قد اكتسبوا ما يلزم من معرفة لإنشاء وتسويق أنواع التكنولوجيات والخدمات التي تدفع النمو الاقتصادي وهذا أحد الأسباب أن دولاً مثل اليابان ودولاً في أوروبا الغربية تواجه مرتقى اقتصادياً- أصعب مما تواجه الولايات المتحدة – عليها أن تتسلقه لتمويل الدخول والاحتياجات الطبية للسكان المتقاعدين فيها في المستقبل.

لقد كتب الخبير الاقتصادي «مايكل ماندل»: «إن النمو الذي تحركه التكنولوجيا ضروري إذا كان يتعين علينا ألا نغرق في مشاكلنا... فبدون الاكتشافات المهمة في العلوم الطبية، لن يكون من الممكن أن نوفر الرعاية الصحية لجيل من المسنين الأمريكيين دون أن نتسبب في إفلاس الشباب، ودون الاكتشافات المهمة في إنتاج الطاقة وتوزيعها، لن يكون من الممكن أن ندفع العالم الثالث إلى مستويات معيشية تعتمد على الصناعة دون الإضرار بالبيئة وتجريد العالم من الموارد الطبيعية، ودون النمو الاقتصادي السريع الذي تحركه التكنولوجيات الجديدة، لن يكون من الممكن أن نحد من الفقر أو أن نضمن للجيل القادم حياة أفضل من حياتنا».

ونلاحظ هنا التأكيد على النمو الاقتصادي السريع لأنه كما قال أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد «بن فريدمان»: ان النمو البطيء يمكن أن يوفر البيئة التي تغذي عدم الثقة، بل وفي الغالب الكراهية لا سيما إذا اقترن ذلك بزيادة عدم المساواة. وأشار إلى أنه ليس من قبيل المصادفة أن بعضاً من أسوأ فترات التعصب نحو الأمريكان الأفارقة والمهاجرين فيما بعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة حدثت خلال فترات النمو البطيء أو السلبي وأسوأ مثال على ذلك كان بالطبع قيام النازية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى عندما كان ذلك البلد غارقاً في التضخم المفرط وركود النمو.. والعكس قد يكون صحيحاً بالنسبة للاقتصادات الآخذة في النمو، فهذه الاقتصادات لديها فرصة طيبة لتستفيد من الدائرة الحميدة، حيث إن الشباب يمكنهم أن يعولوا على أنهم سيعيشون حياة أفضل، على افتراض أنهم سيعملون جادين لتحقيق ذلك.

فالزائرون للهند أو الصين– على سبيل المثال - يتحدثون عن الحيوية وإحساس الإثارة اللذين لا يسمع عنهما المرء في أوروبا الغربية وهي الدول الغنية بالنسبة لتوزيع الدخل في العالم كما لا يسمع عنهما في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، وهي الدول الأقل من ناحية توزيع الدخل العالمي.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"