«حافظ ومش فاهم»

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

في مرحلة الدراسة، كان لديّ أصدقاء كثر، من بينهم صديق كرّس نفسه للدراسة الجادة المنتظمة، حيث كان يدرس لساعات طويلة بصورة يومية، فيحفظ الدروس ويحل الواجبات، بل ويعيد حل مسائل الرياضيات - على سبيل المثال لا الحصر - مرات عديدة أكاد لا أحصيها، حتى يترسخ في ذهنه نص المسألة الرياضية كما هو؛ فيكتبه على اللوح أمام زملائه في الصف، تحت استغراب الجميع من قدرته على حفظ نصوص المسائل الطويلة كما جاءت في المقرر الدراسي تماماً، إلى جانب الحل الصحيح!
على مدار العام الدراسي، كان هناك أصدقاء آخرون يتسمون بذكاء متقد، وتحمل كبير للمسؤولية، لكن أحداً منهم لم يصل بتفانيه في الدراسة إلى نصف ما كان يبذله صديقي المذكور من وقت وجهد.
جاء موعد الامتحانات، فتقدمنا لها، ثم انتظرنا النتيجة النهائية وكانت الصدمة الكبرى، حيث استطاع الكثيرون ممن كنّا نراهم يضيعون بعض الوقت هنا وهناك من تحقيق أعلى الدرجات، في حين أن صديقي المجتهد، بالكاد نجح بمعدل متواضع، يمكن تحقيقه ببذل جهد يعادل عُشر الجهد الذي بذله!
مرت السنوات، وخضتُ غمار العمل الوظيفي إلى جانب أشخاص عديدين من مختلف العقليات، حتى أدركت أخيراً أن التفوق في الدراسة أو العمل ليس مرهوناً بعدد الساعات المبذولة، بل إن كثيراً من الناجحين والأثرياء صرّحوا بأنهم كانوا يدرسون ويعملون على مدار حياتهم أقل بكثير مما فعل أقرانهم، فما السر في نجاحهم وثرائهم إذاً؟!
عندما أسترجع ذكرى صديقي في مرحلة الدراسة، أتذكر كيف كان يبذل جهداً خارقاً، لكنه كان يحفظ أكثر مما يفهم، ويصرف وقته في ترديد نصوص المسائل والحلول الجاهزة من دون أن يستوعب الدرس والفكرة من ورائه. وهذا كان سبب ذهاب كل جهوده الكبيرة أدراج الرياح.
نفس الشيء بالنسبة لأي إنسان يقضي جلّ وقته في العمل، فلا يكاد يجد ساعة يرتاح فيها، ثم تراه في نهاية المطاف خالي الوفاض. بينما زميل له يبذل جهداً يعادل نصف جهده أو حتى أقل يحقق نجاحاً باهراً.
عندما تدرس بطريقة خاطئة، فلن تحقق النتيجة المرجوة، مهما قضيت من ساعات في الدراسة، وإذا عملت بأسلوب غير مدروس فلن تصل إلى أي مكان. إن المعادلة بسيطة للغاية؛ فليس مهمّاً قدر الساعات والجهد المبذول بقدر أهمية نوعية وقتك وجهدك.
إذا درست بذكاء وأدّيت عملك ضمن خطة مدروسة، فإنك تختصر على نفسك الكثير من التعب، مقابل تحقيق مردود أكبر في وقت أقصر، فادرس لتفهم لا لتحفظ، واعمل بناء على خطة عملية لا بشكل عشوائي، وتذكر أن أهم شيء في معادلة النجاح هو نوعية الوقت والجهد وليس الكم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"