السيرة الذاتية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لطالما كنت مندهشة بالسير الذاتية، وما تقوله لي من بين حكاياتها وسطورها وقصصها التي تأخذني للتاريخ، للحياة، للتجربة ولعمق البُعد الإنساني بكل زواياه القلقة المؤرقة، كل تلك الإخفاقات الكثيرة التي تتمسمر أمام أول نجاح مبهر، ثم تعود فتتلقى الضربات والنجاحات كمد وجزر متتابع على شاطئ مملوء بالحلم والاستعداد لاستقبال المستقبل كل يوم وصباح.
لطالما بحثت وقرأت في قصص البعض ليس فضولاً فحسب، وإنما رغبة في أن أدرك تلك المشاعر الإنسانية والنفسية التي شكلت أبطالها، وأعادت بناء شخصياتهم التي نضجت منذ زمن، فاكتشفوا مع الوقت أن البدايات لا تزال، لم تأتِ بعد ولم تجد إليهم الوسيلة بعد، حتى إذا ما رنت الصفارة الصاخبة في لحظة اندهاش الكون في أعينهم، تألقت وأطل شعاع الوهج المتوجس من خلال ظلال العيون المرتسمة في قبة الاحتمالات.
لطالما تساءلت من أحق بأن يكتب السيرة الذاتية، صاحبها أم من يصاحبه، أم كاتب نهم عنده استعداد جيوش متأهبة لأن تسبر أغوار التفاصيل، وحتى بعض اللحظات التي يجب أن تستفز لاسترجاعها من صندوق الذاكرة البعيد؟ من يعرف منهم أن يترجم كل العثرات، والنجاحات وينقلها لنا في قصة تُسمى «مذكرات أو سيرة، أو حتى قصة» فندرك بعفوية لا تحتاج إلى مجهود طائل كيف نقرأ الرسائل التي تختصر أزماناً وتنقلنا إلى زمن آخر، من منحنى ضاق بنا لمنحيات لا نهاية لها؟
ولطالما بحثت وقرأت واسترسلت، محاولة فهم كل تلك العفوية أحياناً في سرد الشخصيات والمواقف والأماكن، فكثيراً ما نقلني كتّاب سيرة ذاتية لأبعاد بحثية تاريخية، تحتم عليَّ أن أدرك كيف كان البشر في حقبة ما من الزمن يعيشون، وأي سياسة سادت الوقت ذاك، وتفاصيل موقف ما صار بصمة لزمن قادم، أي الفرق الموسيقية أثرت في الذائقة، وأي الطوائف سادت الموقف، وكم من ثورات داخلية وخارجية اعتلت المحيط المعروف والمجهول حتى غيّرت مجريات الأحداث، وصارت سيدة موقف الحكاية.
السيرة الذاتية، المذكرات الشخصية ليست مجرد تفريغ واختصار لوقائع مضت وصارت لصاحبها إرثاً فرغه بين دفتي كتاب حتى لا تضيع منه ومن عائلته؛ بل هي التجربة الحقيقية، لمن مضت في حياته عدة عقود فصار هو التغيير، التأثير، النتيجة الواقعية التي تعيدك إلى خط الزمن البعيد الماضي، فتوجد الحلقات وتربطها بكل تلك الحيوَات التي اعتلته وجهزته للمواجهة، نحن اليوم نقرأها، وغداً قد نعيد قراءتها، فكلما نضجنا أصبح البعد اللاواعي يدرك بوعي ماذا كتب في تفاصيل التفاصيل غير المكتوبة، استمتع بتلك الوجبات الدسمة من الكتب الكبيرة التي لا تقول لنا افعل كذا وكذا؛ بل تخبرنا حكايات أمم وشعوب تحيلنا لأشخاص مدركين لأزمان وأماكن وثقافات.
وسؤالي الذي طالما سألته: هل نملك هذه الشخصيات، أو الكتّاب الذين يكتبون هؤلاء؟ جوابي باختصار، هم موجودون والكتابة عنهم غائبة والكُتّاب علامة استفهام..!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"