اليد المرفوعة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

بدءاً من الروضة وصفوف الدراسة الأولى يتعلم التلاميذ أن يرفع الواحد منهم يده إن أراد الحديث أو الإجابة عن سؤال طرحه المعلم أو المعلمة، ويستمر هذا التقليد في مراحل الدراسة المختلفة حتى الجامعة وما بعدها، والأمر نفسه نفعله في الندوات والمؤتمرات، فإن أراد أحدنا التداخل عليه أن يرفع يده كي يراه مدير الجلسة ليعرف أنه راغب في الحديث، وحتى عندما انتقلت المؤتمرات والندوات إلى الفضاء الرقمي، فإن التطبيقات التي تجري عبرها هذه الفعاليات تؤمن أيقونة خاصة تظهر كفاً مرفوعة، على من ينوي الحديث النقر عليها، كي يراه من يدير الحوار.
ليست المدارس والجامعات وقاعات الندوات والمؤتمرات وحدها المكان الذي ترفع فيه الأيادي لإبداء الرغبة في التحدث. ففي الحياة اليومية للبشر يجدون أنفسهم، بشكل تلقائي جداً، يرفعون أيديهم باتجاه من يحدثونهم في حال الغضب مثلاً، كأن من هو في ثورة غضب يقول للمغضوب عليه: كفاك ما تقول، الزم الصمت.
في المسيرات ترفع أيضاً قبضات الأيادي إلى أعلى، بالتزامن مع إطلاق الهتافات، وقد يفعل مؤيدو كرة القدم وسواها من الرياضات الشيء نفسه، تعبيراً عن البهجة بتحقيق هدف أو فوز للفريق الذي يؤيدونه.
لا يمكن أن نغفل عن أن الأيادي ترفع إلى السماء أيضاً ابتهالاً للخالق سبحانه وتعالى في حال الدعاء، تعبيراً عن مشاعر التضرع والرجاء، وفي الشرح نقرأ القول التالي: «مدُّ اليدينِ عند الدعاء تعبير عن المعتاد بين الناس عند طلب الأدنى من الأعلى».
ورغم تعدد وتنوع المناسبات التي ترفع فيها الأيادي إلى الأعلى، فإنه ليس بوسع الشخص العادي رفع ذراعه سوى لمدة عشر دقائق، لأنها سرعان ما تصاب بالتعب، لذا سيبدو شيئاً غريباً لا يكاد يصدق حين نقرأ عن راهب هندي يرفع ذراعه لما يقرب من خمسين عاماً ولا يمكنه خفضها، ويقول أمار بهاراتي، وهذا هو اسم الراهب، إنه عانى ألماً فظيعاً في العامين الأولين، ولكن بعد ذلك انخفض التورم وفقد كل الإحساس في هذا الجزء من الجسم، وتحولت ذراعه المرفوعة دائماً إلى جزء ميت من جسده، لا يستطيع تحريكها ولا إنزالها إلى المستوى العادي.
المسألة بالنسبة للراهب هي طقس، يدخل ضمن معتقدات الرجل، وأدى نجاحه في إبقاء يده مرفوعة إلى إكسابه مكانة عند مريديه، وبعيداً عن كل هذا فإن الأطباء رأوا في ذلك أمراً خارقاً لكنه غير مستحيل، يظهر أن الإرادة البشرية إن توفرت فهي من القوة ما يجعل صاحبها قادراً على اجتراح ما يبدو معجزة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"