عادي

عذب الكلام

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق
2101

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغَتنا العربيّةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومُفرداتٍ عذبةٍ تخاطبُ العقل والوجدان، لتمتعَ القارئَ والمستمعَ، تحرّكُ الخيالَ لتحلّق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءاتٍ مرصّعةٍ بدرر الفكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، ننشرُ زاويةً أسبوعيةً جديدة تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضادِ السّاحرة.

في رحاب أمّ اللّغات

التّفسيرُ هو أنْ يذكر الشاعرُ جملةً، فلا يزيدُ فيها ولا يُنْقصُ مِنْها، ولا يُخالفُ بَيْنها، منهُ قولُ عبدِ المُحسن الصّوريّ:

قالتْ وقدْ فَتَكَتْ فينا لواحِظُها:

مهلاً فما لقتيلِ الحُبّ مِنْ قَودِ

وأسْبلتْ لُؤلؤاً مِنْ نَرْجِسٍ، وسَقَتْ

وَرْداً وعَضَّتْ على العُنّابِ بالبَرَدِ

وقولُ أبي نُواس:

يا قمراً أبْصَرْتُ في مَأتَمٍ

يَنْدُبُ شَجْواً بَيْن أتْرابِ

يَبْكي فَيُذْري الدَّمْعَ مِنْ نَرْجِسٍ

ويَلْطُمُ الوَرْدَ بِعُنّابِ

فقُلْتُ: لا تَبْكِ قَتيلاً مَضى

وابْكِ قَتيلاً لكَ بالبابِ

دُررُ النّظم والنّثْر

كعبُ الغَنويّ يرثي أخاه (من الطويل)

تَقولُ اِبنَةُ العَبسِيِّ قَد شِبْتَ بَعْدَنا

وَكُلُّ اِمرِئٍ بَعْدَ الشَبابِ يَشيبُ

وَما الشَّيْبُ إِلّا غائِبٌ كانَ جائِياً

وَما القَولُ إِلّا مُخطِئٌ وَمُصيبُ

تَقولُ سُلَيمى ما لَجِسمِكَ شاحِباً

كَأَنَّكَ يَحميكَ الشَّرابَ طَبيبُ

فَقُلتُ وَلَمْ أَعْيَ الجَوابَ وَلَم أَبُحْ

وَلِلدَّهْرِ في الصُمِّ الصِلابِ نَصيبُ

تَتابُعُ أَحْداثٍ يُجَرِّعْنَ إِخوَتي

فَشَيَّبنَ رَأسي وَالخُطوبُ تُشيبُ

لَعَمْري لَئِن كانَت أَصابَت مَنِيَّةٌ

أَخي وَالمَنايا لِلرِجالِ شَعوبُ

لَقَد كانَ أَمّا حِلمُهُ فَمُرَوِّحٌ

عَلَيَّ وَأَمّا جَهلُهُ فَعَزيبُ

أَخي ما أَخي لا فاحِشٌ عِندَ ريبَةٍ

وَلا وَرِعٌ عِندَ اللِقاءِ هَيوبُ

أَخٌ كانَ يَكْفيني وكانَ يُعينُني

عَلى النّائِباتِ السُّودِ حينَ تَنوبُ

حَليمٌ إِذا ما سَورَةُ الجَهلِ أَطلَقَت

حُبى الشَّيْبِ لِلنَفسِ اللَّجوجِ غَلوبُ

هُوَ العَسَلُ الماذِيُّ حِلماً وَشيمَةً

وَلَيثٌ إِذا لاقى العُداةَ قَطوبُ

فَتىً أَرْيحِيٌّ كانَ يَهتَزُّ لِلنَدى

كَما اِهتَزَّ مِن ماءِ الحَديدِ قَضيبُ

كَعالِيَةِ الرُّمْحِ الرُدَينِيِّ لَم يَكُن

إِذا اِبتَدَرَ القَومُ العُلاءَ يَخيبُ

أَخو سَنواتٍ يَعلَمُ الضَيفُ أَنَّهُ

سَيُكثِرُ ماءً في إِناهُ يَطيبُ

فَوَاللَهِ لا أَنساهُ ما ذَرَّ شارِقٌ

وَما اهتَزَّ مِن فَرقِ الأَراكِ قَضيبُ

من أسرار العربية

فروق لغوية: بَيْن المُزاحِ والاستِهْزاءِ والهَزْل، المُزاحُ: لا يَقتضي تحقيرَ مَنْ يُمازِحُهُ ولا اعتقادَ ذلك. أمّا الاستهزاءُ فيقتضي تحقيرَ المُسْتَهْزَأ بهِ واعتقادَ تحقيره. والهَزْل: يَقْتضي تواضُعَ الهازلِ لِمَنْ يهْزِلُ بَيْن يدَيْه، والمُزاحُ لا يقتضي ذلك.

بَيْن الابْتلاءِ والاخْتبارِ، الابْتلاءُ: لا يكونُ إلّا بتحمّلِ المَكارهِ والمَشَقّة. والاختبارُ يكونُ بذلكَ وبفعلٍ حَسنٍ؛ فيُقال: اختبرهُ بالإنْعام عليهِ، ولا يُقال ابتلاهُ بالإنعامِ عليْهِ، ولا هو مُبْتلى بالنّعمة. بَيْن القيمةِ والثّمن، القيمةُ: المُساومَةُ لِمِقْدارِ المُثَمَّن، من غير نُقصانٍ ولا زِيادةٍ. والثّمنُ قدْ يكون بَخْساً وقد يكونُ زائداً؛ فكلُّ ما لهُ ثمنٌ مَمْلوكٌ وليسَ كلُّ مَمْلوك لهُ ثَمنٌ.

هفوةٌ وتصويبٌ

يقولُ بعضُهم: «وأثارَ المتجمّعونَ الشّغَبَ»، بمعنى الفوضى؛ وهي خطأ، والصّوابُ «الشّغْبَ» بتسكين الغَيْن. لأنّ الشَّغْبَ، والتَّشْغِيبُ: تَهْيِيجُ الشَّرِّ؛ وأَنشد الليث:

وإِنّي على ما نالَ مِنِّي بصَرْفِهِ

على الشَّاغِبَيْن التّارِكِي الحَقِّ مِشْغَبُ

وقد شَغَبَهم وشَغَبَ عليهم. ولا يقالُ شَغَبٌ؛ وتقولُ منه: شَغَبْتُ عليهم، وشَغَبْت بِهِم، وشَغَبْتُهُم أَشْغَبُ شَغْباً: كُلُّه بمعنىً؛ قال لبيد:

يَتَأَكَّلونَ مَغالَةً وَخِيانَةً

وَيُعابُ قائِلُهُم وَإِن لَم يَشغَبِ

أَي وإِنْ لم يَجُرْ عن الطريقِ. وشَغَبَ فلانٌ عنِ الطريقِ، يَشْغَبُ شَغْباً، وفلانٌ مِشْغَبٌ إِذا كان عانِداً عن الحَقِّ؛ قال الفرزدق:

يَرُدُّونَ الحُلُومَ إِلى جِبالٍ

وإِن شاغَبْتَهم وجَدوا شِغابَا

وقال العَجّاج:

كأَنَّ تَحْتي ذاتَ شَغْبٍ سَمْحَجا

قَوْداءَ، لا تَحْمِلُ إِلاَّ مُخْدَجا

من أمثال العرب

أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن

طَلَبْتَهُ في أوانِ الضِّيقِ لم تَجِدِ

وأوثَقُ العهدِ ما بَيْن الصِّحابِ لِمَنْ

عاقَدتَ قلباً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ

البيتان لناصيف اليازجيّ، يشدّد فيهما على أهمّيةِ الصديقِ الحقيقيّ، الذي إنْ طلبتَهُ في أيّ وقتٍ، لبّاكَ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"