عادي

فرويد.. اللاشعور يتحكم في سلوكياتنا

23:07 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»
كان اهتمام علماء النفس، قبل ظهور مدرسة التحليل النفسي، متجهاً إلى دراسة الظواهر العقلية الشعورية، ولم يكن أحد منهم يهتم بالبحث عن المعطيات العقلية اللاشعورية، التي تحرك سلوك الإنسان، وتدفعه إلى القيام بصور النشاط المختلفة، وكان من نتيجة إغفال علماء النفس في الماضي لهذه الناحية المهمة من الحياة النفسية، أن ظل كثير من مظاهر السلوك الإنساني عصياً على التفسير، وصعباً على الفهم، وبعيداً عن متناول البحث العلمي.

يرجع الفضل إلى عالم النفس سيجموند فرويد «1856-1939» مؤسس مدرسة التحليل النفسي في اكتشاف تلك الحقيقة المهمة، وهي أن جزءاً مهماً من حياتنا العقلية لا شعوري، وأن لهذا الجزء اللاشعوري من حياتنا العقلية، تأثيراً كبيراً في سلوكنا ومشاعرنا في حياتنا السوية، أو في ما نتعرض له من اضطرابات وأمراض نفسية.

في مقدمة الترجمة العربية لكتاب فرويد «الذات والغرائز»، والذي اضطلع بترجمته الدكتور محمد عثمان نجاتي، يرى المترجم أن فكرة اللاشعور كانت معروفة من قبل فرويد، لكنها كانت في الغالب فكرة غامضة غير واضحة المعالم، ويرجع تاريخ اكتشاف فرويد للاشعور، ولما له من أهمية عظيمة في حياة الإنسان إلى وقت اشتغاله بدراسة مرض الهستيريا، منذ عام 1880 بالاشتراك مع أحد أطباء فيينا المشهورين وقتها، وقد اتضح لهما نتيجة لهذه الدراسة أن الأعراض الهستيرية، إنما تنشأ عن ذكريات مكبوتة في اللاشعور، وأن هذه الأعراض تزول إذا ما استطاع المريض تذكر هذه الذكريات أثناء العلاج.

لم يكن من السهل أن يقتنع الفلاسفة والعلماء في ذلك الوقت بوجود عقل لا شعوري، كما كان يقول فرويد، وكان الرأي السائد بين المفكرين في ذلك الوقت هو أن العقل لابد أن يكون شعورياً، وأن القول بوجود عقل لا شعوري إنما هو قول متناقض لا يقبله المنطق، وهكذا لاقت فكرة فرويد عن العقل اللاشعوري كثيراً من النقد والسخرية في أول الأمر، وكان على فرويد أن يرد على الانتقادات التي وجهت إلى نظريته، وأن يحاول إثباتها بالحجج والبراهين المستمدة من خبرته الإكلينيكية.

اهتم فرويد في مواضع كثيرة من مؤلفاته الأولى بإثبات نظريته في اللاشعور، وبالرد على خصومه، وهو يعود مرة أخرى في كتاب «الذات والغرائز» إلى تناول الموضوع، محاولاً شرح نظريته في إيجاز ووضوح، والرد على الانتقادات التي وجهت إليه، ونستطيع أن نلمس في آراء فرويد الواردة في هذا الكتاب فيما يتعلق باللاشعور، وعلاقته ببقية أجزاء الجهاز النفسي تعديلاً واضحاً لآرائه السابقة، في الجهاز النفسي، التي ذكرها في مؤلفاته الأولى.

من المعروف أن فرويد كان كثير التعديل والتغيير لآرائه ونظرياته على ضوء ما كانت تكشفه له ملاحظاته وأبحاثه من معلومات جديدة، وقد تعرضت نظرياته في الجهاز النفسي وفي الغرائز على وجه خاص لتعديلات مهمة شرحها فرويد في هذا الكتاب، الذي صدر في فيينا عام 1921.

أثار فرويد الشك في تفكير الإنسان المنطقي، ورده إلى مجموعة من التبريرات لأفكاره المكبوتة، كان يتعامل مع عدم الاتساق بين التفكير وواقع الإنسان الوجودي، فقد يفكر الإنسان مثلاً أن سلوكه مدفوع بالحب والإخلاص والإحساس بالواجب، بينما يكشف التحليل النفسي أن سلوكه تدفعه الرغبة في القوة والسلطة والعدوان، ومن ثم يكون ما نفكر فيه ليس متطابقاً مع ما نحن عليه، وبذلك يثير الشك في تفكير العقل الواعي، ويهدم أسس العقلانية التي يناصرها، باعتباره عالماً يبحث عن منطق الحقيقة.

وإذا كان جاليليو حرم الإنسان من وهم أن الأرض هي مركز الكون، فإن فرويد قد حرم الإنسان من الفخر بعقلانيته وحكمته، بإثارة الشك في تفكيره الواعي، باعتباره الملجأ الذي يمكن أن يعتمد عليه، إذ اكتشف أن كثيراً من تفكيرنا الواعي، إنما هو ما يحجب أفكارنا الحقيقية، ومثل هذه الاكتشافات كان من الممكن أن تحدث ثورة لأنها تفتح عيون الناس على ما في مجتمعهم من زيف، كان فرويد يرى أن الحياة العقلية، تتكون أساساً من اللاشعور، الذي يشمل قسماً أكبر، ثم الشعور الذي يمثل الجزء البسيط الظاهر من جبل الجليد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"