عادي
ترافقها مخاطر تستوجب ضوابط لتقنينها

الاستشارات القانونية «أون لاين».. سلاح ذو حدين

00:24 صباحا
قراءة 9 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب

أضحت الاستشارات القانونية عبر الإنترنت «الأون لاين» واقعاً مشهوداً في معظم الدول، وملجأ لكثيرين ممن يرون فيها السهولة واليسر، من ناحية ضيق ذات يدهم، أو ضعف إمكاناتهم المادية، تغنيهم عن اللجوء مباشرة إلى مستشارين قانونيين للحصول على استشارة بحلول قانونية لمشكلات يعانونها، في ضوء تدني قيمة أتعاب الاستشارة القانونية الالكترونية عن غيرها، فضلاً عن السرعة في الحصول عليها، عبر الجهاز الإلكتروني، مقارنة بالوقت والجهد الذي قد يبذله الفرد حال التوجه لمكتب هذا المستشار القانوني، أو ذاك.

ورغم الإيجابية التي قد تبدو في مثل هذه الظاهرة الجديدة نسبياً، والتي واكبت انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والقفزة الالكترونية فيها، إلا أن هناك كثيراً من المحاذير، وربما مخاطر ترافقها، بما يستوجب تقنينها، ووضع ضوابط محددة لها، وتوعية أفراد المجتمع بها، لتجنب الوقوع في فخ أي أذى، أو ضرر، وابتزاز من أي نوع كان، لاسيما وأن مثل هذه الاستشارات الالكترونية تشمل جميع القضايا الجنائية، والأحوال الشخصية، والقضايا المدنية والأسرية، وغيرها.

وهنا، وعن ماهية هذه الظاهرة وضوابطها الواجبة، وقانونيتها، أكد د. محمد بطي الشامسي، رئيس مجلس إدارة جمعية المحامين والقانونيين، أن الحاجة إلى المستشار القانوني في وقتنا الحاضر، أصبحت من الأهمية بمكان، نظراً لوجود بعض الاتجاهات، والطرق التي لا يمكن السير، أو الخُطى فيها، من دون الاستعانة بمستشار قانوني، يوضح مميزات، أو عواقب الدخول في بعض المواضيع، محل الاهتمام، فالحصول على استشارة قانونية مفيدة، قبل القيام بعملية تجارية مثالاً، قد توفر معاناة الدخول في نزاعات كبيرة ومعقدة.

وقال: تتمثل خدمة الاستشارة القانونية بصفتها عملاً من أعمال مهنة المحاماة، في تقديم الإجابة القانونية الواضحة والمحددة للعملاء عن كل الاستفسارات التي لديهم، ومُساعدتهم في حل المشكلات التي تطرأ في سير أعمالهم، أو معرفة موقف القانون، بخصوص موضوع معين، بالاستعانة في ذلك بالخبرة القانونية العلمية، والتجربة العملية، للمستشار القانوني، بشكل يجنبهم الوقوع في أخطاء قانونية، لا يمكن تداركها في المستقبل.

وتعتبر الاستشارة القانونية عقداً بين المستشار مقدم المذكرة، وبين موكله، وكذلك الطرف الثالث الذي تقدم له الاستشارة، حيث إنه من حق الطرف الثالث المقدمة له الاستشارة، الاعتماد على تلك الاستشارة، من دون اتخاذ أي إجراءات، للتأكد من صحتها، وفي الكثير من الحالات يتم الاعتماد عليها من قبل الجهات، والشركات الحكومية، لأنها تشتمل على تحليل قانوني متكامل، وتستند إلى نصوص قانونية محددة، وقد تتضمن قرارات، ومبادئ للمحاكم العليا في حالات مشابهة.

وبما أن السرعة هي السمة الطاغية على التعاملات في عصرنا الحاضر، فإن اللجوء إلى القضاء، آخر خيار يمكن اللجوء إليه من قبل المتخاصمين، بسبب بطء إجراءات المحاكم، والوقت الذي تستغرقه لحل النزاعات، لذلك برزت الاستشارة القانونية الافتراضية، سواء عن طريق «السوشيال ميديا»، أو الإنترنت، أو هاتفياً، وهناك مبادرات عدة أطلقتها مكاتب للمحاماة، ودوائر العدل، والمؤسسات الأكاديمية المعنية بالقانون، لتقديم استشارات قانونية مجانية، تعين المتقاضين على السير في الدعاوى بشكل سليم.

ومن الجدير ذكره، أن المحامي مقدم الاستشارة القانونية، يعتبر مسؤولاً تجاه الطرف الثالث في معظم البلدان، إذا جاءت الاستشارة بصورة خاطئة، وتسببت بأضرار للطرف الثالث الذي اعتمد عليها، إلا أن المحاكم في دبي أرست مبدأ قانونياً جديداً في عام ٢٠٠٥، اعتبره القضاء انتصاراً لكل من يزاول مهنة المحاماة، حيث يؤكد المبدأ سلطة المستشار القانوني في إبداء رأيه صراحة لكل من يرغب في مشورته، وعدم المسؤولية عن الأضرار التي تنشأ عن الاستعمال المشروع للحق، في الفتوى وإبداء الرأي القانوني والمشورة القانونية

ومن باب استشراف المستقبل، فإنه يتوقع أن تتحول مهنة المحاماة إلى ممارسة إلكترونية بالكامل، نظراً لاتجاه بعض المحاكم للتحول إلى الإلكتروني بالكامل، في الجلسات، والمرافعة، وتقديم الطلبات، والدفوع، وأعتقد انه إذا حدث ذلك، فإنها ستكون ميزة كبيرة جدا ًلكلا الطرفين، حيث إنها تتيح سرعة التواصل وتوفر الوقت، والجهد، والمال على العميل.

مستشار مؤتمن

وبحسب الإعلامي والمستشار القانوني د. يوسف الشريف، أنه رغم ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات في جميع المجالات، ومنها المجال القانوني، إلا أنه يجب النظر إلى أن الغاية من هذه الوسائل في المقام الأول، الدعاية، والانتشار، وهو ما قد يعوز ما يُقدم من معلومات عبر هذه الوسائل، إلى الدقة، والمهنية.

فمع انتشار الإنترنت وظهور التطبيقات المختلفة بداية من (الياهو) ومروراً ب(فيسبوك، ماسنجر)، ثم (سكاي بي، سناب شات، بوتيم، توتوك، تويتر، انستجرام)، وغيرها، ومع تسابق المواقع في رصد المكافآت على عدد المشاهدات، والمتابعات، باتت هذه التطبيقات سبيلاً للشهرة والدعاية لدى البعض، ووسيلة للرزق لدى البعض الآخر، وما بين هؤلاء وهؤلاء، نجد القليل الذي تكون غايته تقديم المعلومة الصحيحة، والصادقة للعلم، والمعرفة، وتظل المسألة في حدود تقديم المعلومة، وليس الاستشارة، ومن هنا تبدو مخاطر تلقي المعلومات عن طريق هذه الوسائل، خاصة إن كانت من مصادر غير موثوقة، أو غير مؤهلة لتقديم هذه المعلومات.

وفي مجال الاستشارات القانونية تحديداً، نجد أن علاقة الموكل أو العميل، والمستشار القانوني، تقوم في المقام الأول على ثقة الموكل، أو العميل، بالمستشار القانوني، من حيث أمانته (للحفاظ على سرية ما يتاح له من معلومات وبيانات)، وخبرته، وحنكته، في مجال القانون، والاستشارات القانونية، ومن ثم تقوم الثقة على دقة الموكل، أو العميل، في تزويد المستشار القانوني بالتفاصيل كافة، المتعلقة بموضوع الاستشارة، تماماً مثل تشخيص الطبيب للمرض، ووصف العلاج للمريض، فإذا كان المريض دقيقاً في وصف ما يعانيه، وكان الطبيب ذا خبرة في تشخيص المرض، جاء التشخيص صحيحاً، ومن ثم وصف العلاج.

ولمناقشة المستشار القانوني للموكل، أو العميل في أدق التفاصيل، دور كبير في صحة الاستشارة القانونية، لأنها تتطرق لأدق التفاصيل، التي قد لا يعي الموكل، أو العميل أهميتها، وأثرها في صحة الاستشارة من عدمها، وهذا لا يُتاح في الاستشارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، والمواقع والتطبيقات المختلفة.

علاوة على أن الاستشارة القانونية عبر وسائل التواصل غالباً تكون بصيغة العمومية، لا الخصوصية، وقد يلجأ كثير من المستشارين عبر هذه الوسائل، لتلك الوسيلة مواراة لعدم إحاطة الواحد منهم علماً بقوانين دولة من يطلب الاستشارة، لذا اعتمد كثير من المستشيرين، والمتقاضين، على معلومات واستشارات عبر الإنترنت، وخابت عقودهم، وخسروا قضاياهم.

لذا ننصح دائماً أن تقتصر المناقشات القانونية، والأسئلة، والاستشارات عبر وسائل التواصل، على موضوعات عامة، أما الاستشارات القانونية في موضوعات خاصة، فتكون عن طريق مستشار مؤتمن، ومكتب معتمد في البلد نفسه، الذي يكون فيه المستشير، لضمان علم المستشار القانوني الذي يقدمها، بقوانينها، التي ستطبق على موضوع الاستشارة.

قواعد محددة

واعتبر المستشار المحامي حسين محمد الجهازي أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المرئي، والمسموع بين طرفين أو اكثر، للحصول على خدمات استشارات قانونية، لا يعد في حد ذاته تصرفاً غير قانوني، خاصة أن المشرع الاماراتي نص في المادة 332 من قانون الإجراءات المدنية وفقاً لأحدث التعديلات، على اعتماد وسائل الاتصال بالتقنيات الحديثة لتحقيق الحضور عن بعد، وتبادل المستندات التي تشمل قيد الدعوى، وإجراءات الإعلان، والمحاكمة، والتنفيذ، عبر استخدام تلك الرسائل، علما بأن تقنية الاتصال عن بعد، والمنصوص عليها في هذا القانون، تخضع للوائح، وسياسات أمن المعلومات المعتمدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقال: المراد بالاستشارة القانونية، هو أن يقوم المستشار القانوني بإبداء رأيه في مسألة تكون محل خصومة، ونزاع بين طرفين، أو أكثر، وتمكينهم من تطبيق صحيح القانون على الوقائع، والتصرفات، التي هم بصدد مناقشتها مع المستشار القانوني، وكذا بيان المحاضر القانونية، الناتجة عن هذه التصرفات والأعمال التي تقدم بها طالب الاستشارة، ومن ذلك تتضح لنا مشروعية الحصول على استشارات قانونية عبر وسائل التواصل، وكذا مشروعية ممارسة مكاتب الاستشارات القانونية لهذا النوع من النشاط، خاصة أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة، تعد من أهم المتطلبات الاجتماعية الحرة، في ظل المتغيرات، والتطورات، التي يشهدها العالم في مجال استخدام وسائل التقنية المتعددة.

ونرى أن اكتساب الاستشارات القانونية للشرعية المطلوبة، لا يتحقق إلا من خلال قواعد، أهمها حصول الفرد، أو المؤسسة المعنية بتقديم الاستشارات القانونية، على الترخيص المعتمد من الجهة الاتحادية، والمحلية المختصة، التي تتيح له ممارسة هذا النوع من النشاط، وهنا لابد من ممارسة تلك الجهات دورها الرقابي الصارم على ذلك النوع من النشاط القانوني، لارتباط الأمر بمصالح، وحريات، وحقوق الكثيرين من أفراد المجتمع، لأنه في حالة عدم إعطاء الرأي القانوني السديد لطالب الاستشارة، أو قيام بعض المنصات الالكترونية الوهمية، بتقديم استشارات، وآراء لا صلة لها بالقانون، فقد تترتب آثار، وأضرار خطيرة.

ولابد أن يكون مقدم الاستشارة مؤهلاً التأهيل القانوني الصحيح، علمياً، ومهنياً، لأن من أهم واجبات المستشار القانوني أن يعطي الرأي القانوني الصحيح، في شأن المسائل، والاستفسارات المطروحة عليه، وأن يتقيد بالقواعد القانونية التي يمكن تطبيقها على ما عرض عليه، من دون لبس، أو غموض، وأن يستنبط بعض الحلول القانونية المناسبة، للمشكلات المعروضة عليه، من خلال استقراء المبادئ، والأحكام، والاجتهادات الصادرة من المحكمة العليا في الدولة.

وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال رجل قانون مؤهل، ومتخصص، يملك بيان حكم القانون، وله القدرة الكافية على مواكبة ما يصدر من تشريعات.

وجوب الحذر

ووصف المحامي علي مصبح القانون بأنه سلاح ذو حدين، حيث ينجو من يحترم قواعده، وأنظمته، ويقع تحت طائلة العقوبات، من يخالفه، وينطبق هذا – وفق قوله- على الاستشارات القانونية، إذ تكون الاستشارة صحيحة، وسليمة، ودقيقة، إذا كانت من ذوي الاختصاص، أي من محام له خبره قانونية، أو مستشار قانوني لديه الخبرة الكافية، وإلمام بالعلوم القانونية، على أن يكون كليهما مسجلاً لدى الجهات المختصة.

وواصل: انتشرت الاستشارات القانونية «الأون لاين» عبر النظم الإلكترونية، وتكون في أغلبيتها، بل كلها، مجهولة المصدر، من حيث الأشخاص، والخبرة، بما يجهل معه الفرد مدى صحة الاستشارة، فيما يتركز غرض القائمين على تقديمها، في جذب أكبر عدد من الضحايا، رغم أنها قد تكون بمنزلة تحديد مصير لشخوصها، والسبيل لحل مشكلتهم، التي تستوجب أجراء قانونياً، وبالتالي وبلجوئهم إلى الاستشارة الالكترونية، قد يقع الواحد منهم ضحية سلب أمواله من قبل أشخاص مجهولي الهوية، من حيث الخبرة، والمؤهل، علاوة على إمكانية عدم توافق نوع الإجابة مع ماهية الاستشارة، وصحتها، وقانونيتها، وعما إذا كانت هي التي يحتاج إليها الشخص بالفعل، والتي سيبني عليها مصيره في هذه المسألة، أو تلك.

ولا شك في أننا نحذر وبشدة من مثل هذه التصرفات غير القانونية، حيث يجب أن تصدر الاستشارات عن أشخاص لهم باع كبير في المجال القانوني، ومرخصين من الجهات المعنية.

بالغة الخطورة

ذهب المحامي محمد عبدالله الرضا، إلى أن الاستشارات القانونية عبر «الأون لاين» سلاح ذو حدين أيضاً، فضلاً عن كونها بالغة الخطورة، حيث لها منافع ومضار، وإن كان يرى أن مضارها أكبر من نفعها، قائلاً: تتسم المنافع الإيجابية في سرعة الاستجابة، وعدم إهدار الكثير من المال، والوقت، ما يوفر الرضا للعميل، ولكن بالنظر للمضار فهي كثيرة، حيث معظمها تكون مجانية، وبأسعار زهيدة، لأن من يتولى الإجابة عنها، ليس بمستشار قانوني مختص ذي خبرة، كما أن الاستشارات القانونية تحتاج إلى تعمق، ومعرفة تفاصيل التفاصيل، في حين أن الاستشارات عبر «الأون لاين» تتسم بالسرعة، وعدم الدقة، كما أنه في الأغلب الأعم في الاستشارات، أن المستشير لا يعرف المستشار، ولا يمكن له الرجوع إليه، ولا يوجد إثبات، إن أعطاه الاستشارة الخاطئة التي عواقبها وخيمة، ولا يمكن تصحيحها في بعض الأحيان.

لذا ينبغي أن تكون هناك ضوابط حتى لا يستغل الأمر من أصحاب النوايا السيئة، بالذات في عملية السداد عبر «الأون لاين».

مكتب معتبر

تلخص المستشارة القانونية منوهة هاشم، وجهة نظرها، مرجّحة احتمالية اتفاق البعض معها فيها، مقابل معارضة آخرين لها، في قولها: ليس أفضل من الجلوس وجهاً لوجه مع العميل في اجتماع تؤخذ حيثياته في الاعتبار، وإن كان العميل يتكبد مبلغاً كثر أو قل، نظير الاستشارة، إلا أنه قد ينجو من أخطار محتملة، بالاعتماد على الاستشارات القانونية «أون لاين»، التي قد يخسر معها، ما حققه طيلة حياته، فالطبيعة البشرية السوية تحتم اللجوء للحل السليم، وهو الاعتماد على مكتب معتبر، ومعروف، يقدم الخدمات والاستشارات كافة، وليس اللجوء إلى استشارة كل من «هبّ ودب»، مع احترامي للجميع، وقد قال تعالى «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» وأهل الذكر، هم أهل الخبرة، والمشورة في المجال، والتخصص.

ورغم أن اليوم في ظل التكنولوجيا والتطور الرقمي، لجأ كثير من المكاتب للاستشارة الرقمية، لتقديم خدماتها إلكترونياً، تسهيلاً على العملاء، خاصة إن كانوا خارج الدولة، ويصعب تواجدهم فيها، للظروف التي يشهدها العالم الآن، إلا أن المشكلة تكمن في مدى إلمام المستشار القانوني، بالمعلومات، والمستندات كافة، المتعلقة بالعميل، والتي يتوجب أن يتعاملا وجهاً لوجه لمعرفتها، لأن التواصل الإلكتروني في حالات كثيرة قد يكون مقتضباً، ولا يؤتي ثماره بالشكل المطلوب، رغم وجود مقابل مادي متفق عليه، فضلاً عن أن البعض يوفرون على أنفسهم، باللجوء إلى المنتديات الإلكترونية للحصول على الاستشارة القانونية التي قد يكون فيها أناس من غير أصحاب الاختصاص، ومن ثم، وبناء على المشورة الخاطئة، يتعرضون لنتائج لا تحمد عواقبها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"