حان الوقت لعطلة طويلة نستحقها جميعاً

21:05 مساء
قراءة 4 دقائق
آنا كوت

آنا كوت *
لأكثر من عقد من الزمان، ناقش خبراء وباحثون فكرة الانتقال إلى أسبوع عمل أقصر، حيث تشير الدلائل المتزايدة إلى أن خفض عدد ساعات العمل مفيد لرفاهية الإنسان، والاقتصاد، والبيئة.

لقد اعتدنا على سماع مقولة أن أسبوع العمل لمدة أربعة أيام أمرٌ صعب للغاية ولا يمكن القيام به، ولكن الأمور بدأت تتغير. فمنذ أن ضرب فيروس كورونا العالم في شتاء عام 2020، أصبح الذهاب إلى المكتب لمدة خمسة أيام كاملة في الأسبوع هو الاستثناء وليس القاعدة بالنسبة للعديد من العمال والموظفين، وارتفع بشكل كبير عدد الأشخاص الذين ذاقوا حلاوة الحصول على مزيد من وقت الفراغ، وكذلك الأمر بالنسبة لأرباب العمل الذين اكتشفوا أنه من الممكن إعادة تنظيم وقت موظفيهم والاستمرار في إنجاز المهام مثلما كانت عليه وأفضل.

في هذه المرحلة الدقيقة، يجب أن تكون الأمور واضحة، بأن الاقتصاد لن يرتد بهذه البساطة وبنفس الكيفية إلى المكان الذي كان عليه قبل الوباء، ويعرف أي شخص قلق بشأن حالة الطوارئ المناخية وغيور على البيئة أن هذا لا يجب أن يحدث على أي حال.

لقد حان وقت التغيير والتبديل في أطراف نظامنا الاقتصادي، وعلينا التحول نحو الأعمق، ليس فقط في كيفية عمل الاقتصاد، بل في الطريقة التي يفكر بها الناس لنجاح هذا العمل.

أسبوع العمل الأقصر فكرةٌ حان وقتها لتساعد على التعافي من تداعيات «كوفيد-19»، كما أنها استراتيجية طويلة المدى يمكن وصفها بحجر الأساس للانتقال إلى اقتصاد أكثر عدلاً واستدامة، وبالتالي فهي جزء من أجندة سياسية واقتصادية أوسع تشمل تعزيز العمل بتدابير مكافحة الأجور المنخفضة سيراً نحو رفعها.

يمكن أن يقلل وقت العمل الأقصر من التوتر والقلق ويحسن الصحة البدنية أيضاً. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية أن العمل لساعات طويلة (حوالي 55 ساعة في الأسبوع) أمرٌ شائع ويسبب أعباء كبيرة وقد ينتهي بأمراض القلب والسكتات الدماغية. أما حكومة المملكة المتحدة فأشارت إلى أن التوتر والاكتئاب والقلق مسؤولة عن 51% من حالات اعتلال الصحة المرتبطة بالعمل. ومن الجوانب المشرقة لساعات العمل المخفّضة إتاحة المزيد من الوقت لأنشطة أخرى، بما في ذلك الشؤون المنزلية. وهذا يعني منح الرجال فرصاً إضافية لقضاء المزيد من الوقت في رعاية أسرهم، وللنساء الحصول على عمل مدفوع الأجر تتساوى به مع الرجال.

دعوتنا لأسبوع عمل لمدة أربعة أيام هي اختزال لمعطيات كثيرة وإيجابيات أكثر يمكن تحقيقها وفق ترتيبات مختلفة يتم التفاوض عليها مع أصحاب العمل لتناسب الاحتياجات جميعها. فقد يرغب البعض في خمسة أيام قصيرة بدلاً من عطلة نهاية الأسبوع لمدة ثلاثة أيام، وقد يجادل البعض الآخر في مزيد من الإجازة لرعاية أطفالهم الصغار، أو التفرغ للسفر والتدريب للحصول على وظيفة جديدة.

وهناك أيضاً حجة بيئية دامغة لفوائد ساعات العمل الأقصر، إذ أنها تُقلص الأثر الضار للمجتمع على البيئة وتحدّ من استهلاك الطاقة الكثيف، وذلك وفقاً لأحدث دراسة للعلاقة بين متوسط ساعات العمل وانبعاثات الكربون في جميع الولايات والمدن الأمريكية. أما معنوياً وذهنياً، فيساعد خفض عدد ساعات العمل على التخلص من الفكرة الخاطئة بأن العمل يُكافأ بالمال فقط، وكأن طموحنا الوحيد هو «اعمل أكثر، تكسب أكثر وتشتري المزيد». لقد حان الوقت لتغيير الأفكار حول ما يهم في الحياة وما يعنيه النجاح في الواقع وتصحيح بعض المفاهيم، دعونا نكافئ العمل ب «الوقت» وليس ب «المال» فقط.

وبخصوص الاعتراض الشائع من منتقدي نظام «أربعة أيام عمل» في الأسبوع وبأن ساعات العمل الأقصر ستضر بالاقتصاد وتقلل الإنتاجية، فالعكس هو الصحيح في الواقع، فقد تبين أن العمال الذين يعملون لساعات أقل غالباً ما يزيدون من إنتاجيتهم بفاعلية أكثر في ست ساعات في اليوم مقارنة بثماني أو تسع ساعات، كما لوحظ ازدياد تركيز العمال واستمتاعهم بعملهم، وغالباً ما يكون ولاؤهم للوظيفة والتزامهم بها أعظم.

يفقد الأشخاص في الغالب تركيزهم في آخر ساعة من يوم العمل ويصبحون أبطأ من حيث إكمال المهام. ووجدت دراسة أجريت عام 2017 على موظفي مركز الاتصال أنهم استغرقوا وقتاً أطول للتعامل مع المكالمات قرب نهاية الدوام، مما يعني أنهم كانوا أقل إنتاجية. لكن عندما قلصت محطة خدمة سيارات في السويد ساعات دوامها من 40 إلى 30 ساعة أسبوعياً، رفع الميكانيكيون إنتاجيتهم بنسبة 14% وزادت الأرباح بنسبة 25%.

يجب أن يُقاس نجاح أي اقتصاد من حيث رفاهية الإنسان والكوكب، وليس فقط معدلات النمو. وخفض وقت العمل إنما هو أمر مفيد للاقتصاد ومساهم حقيقي في بناء مجتمع صحي ومستقبل مستدام، ويمكن لهذه الاستراتيجية تحسين جودة العمل في العديد من القطاعات.

فالمجتمع المزدهر هو الذي نملك فيه الوقت لرعاية بعضنا بعضاً، والاهتمام بمحيطنا الطبيعي وبأنفسنا. وليس المكان الذي يتحول فيه البشر إلى روبوتات تلهث وراء الكسب الصعب والاستهلاك المتصاعد، بهذه الطريقة نستحضر أرواحاً محطمة وكوكباً هزيلاً.

* كاتبة ورئيسة السياسة الاجتماعية في مؤسسة الاقتصاد الجديد (كومون دريمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"