لبنان والانتخابات والتغيير

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تكاد تتحول الانتخابات النيابية التي يفترض أن تجري في لبنان في الربيع المقبل إلى ما يشبه «حرب داحس والغبراء» لبنانياً وإقليمياً ودولياً.

ففي ظل سيطرة أكثرية نيابية لفريق 8 آذار على البرلمان منذ ما قبل أربع سنوات، فإن فريق 14 آذار، يحاول أن ينتزع هذه الأكثرية، لاعتقاده أن ذلك يمكنه من تغيير ما هو مكتوب في تاريخ لبنان.

لكن الحقيقة هي خلاف ذلك؛ فلبنان هو بلد التسويات والاحتكارات. وفي نهاية عهد الرئيس الراحل كميل شمعون في عام 1958 وبعد الاضطرابات التي حدثت وسميت «ثورة»، ارتفع شعار «لا غالب ولا مغلوب». بمعنى أنه لا أحد من الأطراف اللبنانيين يمكنه الادعاء بالنصر على طرف لبناني آخر. وهكذا طُمرت الدماء التي سالت كرمى لطبقة سياسية لم تختلف إلا على المكاسب لا على حقوق المواطن اللبناني.

وعندما بدأت حرب عام 1957 بين اللبنانيين كانت النار تحرق البلد، والقتلى يتناثرون على امتداد مساحته، ومن كل الطوائف فضلاً عن الخسائر المادية الثقيلة التي تكبدها الجميع.

مئة ألف قتيل على الأقل لم تقنع أرباب الطبقة السياسية بضرورة إصلاح النظام، فجاء اتفاق الطائف اللبناني، ليعيد إنتاج النظام القديم؛ بل يرسّخ الطائفية في المؤسسات في نصوص مكتوبة. واستمر الوضع على ما هو عليه إلى انسحاب السوريين عام 2005 لتظهر صورة «الدولة- القبيلة» في «أبهى» حللها.

اعتاد اللبنانيون على ناظم لإيقاع خلافاتهم. افتقدوا مع انسحاب السوري ذلك الراعي، لتنكشف الساحة على رعيان وقطعان لا يمكن لأحد الإمساك بها.

كان اللبنانيون على ما يبدو بحاجة إلى هزة كبيرة مثل تلك التي حدثت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ليستيقظوا على نظام التكافل الديني والسياسي والاقتصادي الذي ما تكافل يوماً إلا لحماية مصالحه.

بعد مرور أكثر من سنتين على ذلك الحراك المشبوه لم يتغير شيء. أموال المودعين الذين سرقت المنظومة المصرفية - السياسية جزءاً منهم، واحتجزت جزءاً آخر، لم يتم حتى الآن حمايتهم بأي تشريع في البرلمان الغائب تماماً عن هموم الناس، وهو الذي يضم تحت قبته كل تلك الأحزاب التي تدعي اختلافاً فيما بينها. وكذا الأمر في ما يتصل بانهيار سعر صرف الليرة؛ حيث ذابت رواتب الناس بنسبة 99 في المئة، ولا يكفي الراتب المتوسط حتى لفاتورة الكهرباء فقط.

وفي ظل هذه الأوضاع ارتفعت نسبة الفقر في لبنان إلى أكثر من سبعين في المئة. والموظف لم يعد يذهب إلى عمله إلا مرة في الأسبوع بسبب غلاء البنزين الذي ارتفع سعره 15 مرة.

انهار البلد وتحللت الدولة فيما المنظومة السياسية تمعن في غيها قتلاً في لقمة العيش الكريم للمواطن المسكين. تبخر جنى العمر وتعبه، ولم يعد الراتب مهما كان عالياً يكفي لكسرة الخبز.

ماذا فعلت المنظومة السياسية - الدينية - المالية؟ بكل راحة، نقول إنها هي التي قتلت المواطن ولم تحم ملكه، ومن بعد ذلك يتصارعون على من يكسب الانتخابات التي لن تنتج سوى المنظومة نفسها.

وإذا دخلنا أكثر نجد أن الأزمة اللبنانية تتعدى المنظومة لتصل إلى منظومة الاحتكارات المالية والشركات.

فقد أكدت التطورات في الأشهر الأخيرة أن منظومة الاحتكارات هي أقوى من الجميع سواء على صعيد الوقود أو الدواء أو المواد الغذائية. وما يشد عضدها أن المنظومة السياسية من كل الأطراف تحمي هذه الشركات الاحتكارية التي تحكمت بالمواطن، وأذاقته الأمرين. وفي جميع المحطات لم يجد المواطن أحداً من المسؤولين إلى جانبه.

تكاملت وتكالبت قوى المنظومة السياسية والمالية والأمنية والقضائية، وبعد ذلك تتصارع هذه القوى على صوت الناخب حتى في المغترب، أملاً في نائب بالزائد هنا أو هناك، وهم لن يغيروا شيئاً في المعادلة. وهم لو سئلوا ماذا فعلتم للمواطن المسكين سوى الفقر والتسول وتبخر جنى العمر ماذا عساهم يجيبون؟

قدر لبنان أن يكون بلد التسويات والاحتكارات والنهب الرسمي والمنظم. وعندما يختفي مثل هذا النظام والمنظومة ينتهي دور لبنان والغاية من إنشائه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"