ثقافة كنزية

23:26 مساء
قراءة 3 دقائق

يوسف أبولوز
هل هناك تراث حكائي، سردي مكتوب، أو سردي شفوي، ذو طابع أسطوري أو ميثولوجي أو شعبي معتقداتي موجود في «خزانة مغلقة» إن صح المجاز، وما من أحد يمتلك مفتاحاً لهذه الخزانة، أو أن لها العديد من المفاتيح، بعضها استعمل، وبعضها لم يُستعمل في ثقافتنا العربية الشعبية، وفي محكياتنا وسردياتنا التراثية؟.. السؤال طويل، والإجابة قصيرة. نعم هناك ثقافة «أرضية» غائبة أو مُغيّبة تماماً عمّا يمكن أن يُسمّى الثقافة الرسمية المحظوظة بالإعلام، ومراكز البحوث، والأكاديميات المتخصصة والمؤسسات الكبرى ذات الميزانيات الثابتة الدورية للصرف المنتظم على مشاريع هذه المؤسسات، غير أن ما هو حكائي أو سردي شفوي وشعبي معتقداتي ليس في وارد هذه المؤسسات التي يعتبر بعضها أن الثقافة الشعبية هي وسط خارج اهتمام المؤسسة الثقافية، وأن هذه الثقافة الشعبية تخصصية بالدرجة الأولى، وأن جمعها، وتصنيفها، وفهرستها، وأرشفتها يحتاج إلى فرق عمل متخصصة أو يحتاج إلى مشروع كبير أو مبادرة كبيرة، وكل هذه الاقتراحات غير موجودة.

نعم هناك كنوز من الحكايات الشعبية في الأرياف والبوادي والبراري العربية، يقابلها كنوز أخرى من هذه المادة المنسية في بيئتي البحر، والجبال.

على سبيل المثال لا الحصر في الإمارات يُشار دائماً إلى باحثين في الثقافة الشعبية وفي التراث الشعبي ولهم أدوار محترمة في هذا العمل الثقافي النبيل: سلطان العميمي، عبدالله الطابور، عبدالله عبدالرحمن، نجيب الشامسي، ماجد بوشليبي، حمد بن سراي، الراحل عمّار السنجري د. عبدالعزيز المسلم، محمد أحمد عبيد، أحمد راشد ثاني، وغيرهم، غير أن المقصود هنا هو ليس المادة التراثية أو الشعبية التقليدية التي ينشغل بتقصّي وجودها ومكانها وتاريخها الباحث الثقافي التراثي أو الثقافي، وإنما المقصود هو الذهاب إلى مناطق أولية بكر، شعرية في الغالب، وفي الغالب أيضاً لا يلتفت إليها الباحث الشعبي التراثي التقليدي.

هناك مادة حكائية، أسطورية، معتقداتية، لا يقترب منها الباحث، إما لأنها لا تثير اهتمامه في الأصل، وإما لأنها تقع في ما هو «محظور» أو «مسكوت عنه» ويجب أن يظل مسكوتاً عنه، والأهم من كل ذلك هو قدرة الباحث على القراءة والتأويل، نعم القراءة والتأويل والتفكير؛ بل «حتى التفلسف» كما هو الحال في التجربة الثقافية الممتازة للمفكر والباحث والكاتب المغربي عبدالكبير الخطيبي في كتابه الذي لا يُنسى: «الاسم العربي الجريح».

لقد اشتغل عدد من المفكرين المغاربة تحديداً على هذا الحقل الحكائي، والظاهراتي، والإشاراتي في المادة التراثية ذات العلامات المرئية أو ذات العلامات المخفية في الثقافة الشعبية، وفي هذه الحالة سوف يستعين البحث الشعبي بالمفكر والفيلسوف؛ بل، ويستعين بعلم الآثار، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والتاريخ، وحتى علوم الأنساب والجغرافية والجيولوجيا.. هذه شبكة لا بد منها عند الاشتغال على المادة الحكائية، أو السردية أو الشفوية أو الأنثروبولوجية، والميثولوجية حين يطرح هذا الموضوع في مدى أوسع وأشمل وأعمق من بعض الاجتهادات البحثية الشعية التي تختزل هذه الثقافة الكنزية الأرضية العظمى في بحوث أكاديمية مدرسية لا تتعدى اجتهادات جمع ما هو شفوي، وتحويله إلى مادة «صحفية» مكتوبة، ونقطة آخر السطر.

هذا لا يعني مطلقاً التقليل من شأن بحوث وقراءات وتقصّيات ميدانية ذهبت وراء المادة الكنزية هذه، واحتفظت بها في أرشيفات مهمة نعود إليها من وقت إلى آخر حين نريد العودة إلى ما تُسمى الجذور في ثقافتنا العربية، ولكن، هذه الجذور تحتاج إلى من يحفر في ترابها وحجارتها وآثارياتها ليكتشف للثقافة وللتاريخ معاً، ما لم يكن في إطار الثقافة، وفي إطار التاريخ قبل ذلك.

كلمة لا بد منها هنا، وهي أننا نتناسى دائماً حين نكتب في الثقافة الشعبية، والتراث الشعبي، والسرديات الحكائية، والمعتقدية واللغزية والأسطورية.. نتناسى علم الآثار - العلم الذي يُعاين المكان بأدوات فحص مادية تخصصية هي في الواقع جزء من عمل الباحث الثقافي أو الشعبي أو الفكري الفلسفي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"