نصف قرن جديد

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

يمر نصف قرن على تأسيس اتحاد الإمارات، فلا تغرق بتفاخر بماض فحسب، بل تخطط لمستقبل، ولنصف قرن جديد. وعلى خلاف الخطط «الخمسية» و«العشرية» في أيام الاقتصادات الاشتراكية، تخطط الإمارات لنصف قرن جديد. وما يجعل المرء على قناعة بأن ذلك التخطيط قابل للتحقيق، بل وإنجاز ما هو أكثر، أن العقود السابقة أثبتت قدرة البلاد، بقادتها وشعبها، على تحقيق ما تصبو إليه، ويزيد.

بداية، أشير إلى أن السطور التالية مبنية على تجربة ذاتية امتدت نحو ثلاثة عقود، وليست مجرد إنشاء وتنظير. فقد عرفت الإمارات وأهلها منذ نحو ثلاثة عقود، بداية عن بعد، بسبب عملي واهتماماتي العامة بمنطقة الخليج، ثم بدأت أزورها بانتظام، بل وعملت فيها مرتين، في بداية هذا القرن، وقبل سنوات قليلة.

في سنوات البدايات الأولى، في الربع الأخير من القرن الماضي، كانت الكويت وقتها أكثر ما هو معروف لمن هم خارج منطقة الخليج. وفي غضون سنوات قليلة اكتشف كثير من المنظّرين والكتاب والمعلّقين، الذين لطالما رأوا في الخليج نموذج تنمية غير مستدام يستثمر في الحجر أكثر من البشر، خطأ ما خلصوا إليه.

كنت أتابع كل ذلك، ثم أرى على الواقع تجارب غير مسبوقة تنجح وتنمو وتستمر، بل وتصبح مثالاً يفكر آخرون في تقليده. حتى التقيت بأبناء الإمارات الشباب في الخارج، قبل نحو ربع قرن، أي نصف عمر الاتحاد. وكانت معرفتي قبل ذلك تقتصر على الاتصالات والمراسلات ببعض المغتربين العاملين في الإمارات. وقتها أدركت أن هؤلاء الشباب الذين تعلموا في أكثر مؤسسات العلم تقدماً في العالم إثبات عملي على جهل المنظّرين والمحلّلين، وأن هذا بلد يستثمر في البشر ربما بأكثر مما يستثمر في المشروعات المادية.

وفي مطلع القرن، عملت وعشت في الإمارات لفترة قصيرة، لكنها كانت كثيفة. وقتها وقعت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة، ورأيت أمريكيين وأناساً من عشرات الجنسيات يلتفون معاً، معبّرين عن غضبهم مما فعل الإرهابيون، ويتشاركون الحزن والأمل مع كل من في البلد. وفي ذلك الوقت، كانت نهضة الاتحاد في عزها، وبينما كنت أرى ذلك بنفسي على أرض الواقع، كنت اشفق على من ما زالوا يرون أنها «مغامرات غريبة قد لا تدوم».

وتعززت القناعة بأهمية تجربة الإمارات وتفردها، ليس إقليمياً فحسب، بل ربما عالمياً، حين انتقلت في ذلك الوقت للعمل في بلد خليجي آخر، ورأيت محاولات محاكاة تجربة الإمارات تأتي باهتة ومضطربة. ليس لشيء سوى أن التقليد لا يفيد، إنما هو الابتكار والإبداع والجرأة في التفكير، والعزم في التنفيذ، وقبل كل شيء الاستثمار في البشر. وعدت ثانية إلى الغرب، وحين انفجرت الأزمة المالية العالمية في 2008 كثرت الكتابات حول «هشاشة التجربة» في الإمارات. فكتبت مقالاً في منفذ المؤسسة البريطانية التي أعمل فيها عن أن نموذج الإمارات صلب ومستدام، بني على مزيج فريد من الحداثة والأصالة، ولن يتضرر كثيراً. وأثبتت الأيام ذلك فيما بعد.

وعدت للعمل والعيش في الإمارات ثانية مع موجة الاحتجاجات الجماهيرية في بعض بلدان العالم العربي التي تعاني تردي الأوضاع. وكان واضحاً ركوب جماعات الإرهاب، وجذرها الرئيسي، «تنظيم الإخوان»، لتلك الاحتجاجات. وكان موقف الإمارات الريادي في التصدي لتلك الجماعات أفضل سبيل للوقاية من خطر الإضرار بالسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، في المنطقة برمتها. وأصبح واضحاً جلياً للجميع أن اتحاد الإمارات أرسى بالفعل أسس قوته وصلابته بما يمكّنه من اعتماد سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة.

كل ما سبق يؤشر على أن خطط نصف القرن الجديد ليست طموحاً مغالى فيه، وإنما أهداف قابلة للتحقيق كحد أدنى، وأن الإنجاز ربما يتجاوزها بكثير. ليس الاستنتاج هنا قائماً على نظريات أو تحليلات وتوقعات حسب سيناريوهات في الكتب فقط، وإنما نتيجة تجربة ذاتية ومعايشة فعلية تجعل المرء على ثقة بأن قيادة وشعب الإمارات قادرين على تحقيق ما هو أكثر بكثير. ولا شك في أن دور الإمارات العربية المتحدة سيزداد تأثيره في كل قضايا العالم، من مكافحة المناخ إلى ابتكار مجالات جديدة لنشاط البشر في استغلالهم لخيرات الأرض لمصلحة استدامة الحياة عليها، وتطورها جودة ورفاهية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"