الاتحاد الذي يحتفي بالإنسان

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

جرى العرف على أن يكون الاحتفال بمرور خمسين سنة على كل حدث كبير احتفالاً بالعيد الذهبي، الذي يسبقه عيد فضي في ذكرى مرور خمسة وعشرين عاماً، ثم يلحق به عيد ماسي في ذكرى مرور خمسة وسبعين عاماً من عُمر ذات الحد.

وإذا كانت خمسون سنة قد انقضت على قيام الاتحاد بين الإمارات السبع فوق أرض الدولة الإماراتية.. فهذا عيد ذهبي بامتياز.

وسوف يقال كلام كثير في الذكرى مرة، وعلى هامش الاحتفال مرةً ثانية، وسوف يكون مثل هذا الكلام تذكيراً في الغالبية من جوانبه بمحطات أساسية على طريق الدولة، منذ أن قامت على يد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

وعندما انعقد موسم منتدى أصيلة الثقافي الدولي الثاني والأربعون على أرض المغرب خلال النصف الأول من هذا الشهر، فإن محوراً من محاوره الأربعة الرئيسية كان يحمل العنوان الآتي: الشيخ زايد.. رؤية القائد المتبصر.

وقد انعقدت ندوة موسعة في الموسم، دعا إليها الوزير محمد بن عيسى، أمين عام المنتدى، وشارك فيها خبراء ومتخصصون من أكثر من دولة، وكان النقاش الذي شهدته الندوة يدور حول أبعاد أربعة في شخصية الشيخ زايد، بدءاً من الحس الاستراتيجي بعيد النظر الذي كان يميزه، ومروراً برعايته للمشروع النهضوي في الإمارات، ووصولاً إلى العمل الإنساني الخيري الذي أسس له، وانتهاءً بقيم التسامح والسلم والتضامن التي راح يتبناها، وينشرها، ويعتمدها خطاً حضارياً وفكرياً لا يحيد عنه ولا يميل!

وعندما قدّم كتاب المنتدى للندوة فإنه قال الآتي: شكّل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حالة فريدة في العالم العربي بحكمته الاستثنائية وفكره التحديثي المتجذر في تراث بلاده وأمته.

ومن بين هذه الأفكار التي قامت عليها ندوة منتدى أصيلة، والتي لخصت بها شخصية الراحل الكبير المؤسس، نستطيع أن نفهم لماذا نجح الاتحاد منذ بدايته إلى اليوم، ولماذا دام واستمر ومضى من خطوة سابقة إلى خطوة لاحقة في طريقه إلى أهدافه، ولماذا هو مرشح لأن يدوم بالقوة نفسها، وبالتدفق نفسه، وبالقدرة ذاتها على بلوغ الغاية في كل سبيل.

وفي غمرة الحفاوة بعيد الاتحاد الخمسين للإمارات، لا بد أن تتبدى لنا علاقة من نوع ما، بين حفاوة الاحتفال وذكراه على جانب، وبين قرار الدولة الإماراتية منح إقامة ذهبية استثنائية مدتها عشر سنوات، لمن تراه أحق بأن يحصل عليها عن جدارة وعن استحقاق في جانب آخر.

ذلك أن قرار منح هذه الإقامة الاستثنائية لفئات حددتها الحكومة واختارتها، ليس مجرد قرار من حبر على ورق، ولكنه في جوهره انحياز إلى الإنسان المتميز، أكثر منه أي شيء آخر.

وهذا الأمر في الحقيقة هو ما تميزت به الإمارات منذ سنوات النشأة إلى هذه اللحظة، ففي كل خطوة خطاها الاتحاد كان القائمون على الحكم فيه يدركون مقدماً، أنه لا شيء في إمكانه أن يرتفع بالدولة بين الدول، قدر أن يكون الإنسان فيها هو موضع الاهتمام كله، والعناية كلها، والإنفاق كله.

ولم يكن قرار منح الإقامة سوى انتقال بالتميز، من دائرة المواطن الذي يحمل جنسية الدولة، إلى خانة الوافد الذي يعيش على أرضها، ففي الحالتين هناك رغبة في أن يكون كل إنسان يستظل بسماء الإمارات، إنساناً قادراً على أن يقدم لها ما يتفرد به عما يقدمه آخرون في أرض سوى أرضها.

وإذا شئنا الإيجاز الذي لا يُخل بالمعنى، قلنا إن الاحتفال بعيد الاتحاد الخمسين في الإمارات، هو احتفال بالإنسان داخلها وفي حماها على السواء، ولا يهم بعد ذلك أن يكون هذا الإنسان مواطناً أو وافداً، فهو مشارك في بناء مسيرة الدولة في حالتيه، وهو لذلك يظل مبتدأ الاحتفال ومنتهاه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"