عادي

الميثولوجيا خارج الأولويات

23:21 مساء
قراءة 7 دقائق
3501

استطلاع: نجاة الفارس

هل تمت دراسة الأساطير والخرافات العربية كما ينبغي؟ وهل تمت قراءتها نقدياً والاستفادة منها أدبياً؟ يؤكد عدد من النقاد والكتاب أن الحضارات العربية غنية بالأساطير والخرافات، منذ سالف الأزمنة وفي غالب الأمكنة، على مر التاريخ وفي مرمى الجغرافيا؛ منها ما تم استثماره شفاهياً، حيث الحكايات التراثية، الفصيحة منها والشعبية، ولكن الباحثين العرب لم يهتموا بقضايا الميثولوجيا إلا على نطاق ضيق لأسباب واهية منها ما يتعلق ببعض التقاليد الثقافية المتشددة التي اعتبرت التعمق في دراسة الأساطير جزءاً من التابوهات والمحرمات.

إن توظيف الأسطورة في الشعر العربي المعاصر جاء فتحاً جديداً على مستوى الخطاب الشعري، وثورة في بنية القصيدة؛ إذ أخرجها من الغنائية والمباشرة والخطابية، إلى أفق الموضوعية، والإنسانية والكونية، ومن الضرورة أن نتعمق أكثر في الوقوف على الجانب النفسي والميتافيزيقي لهذه الأساطير وتوظيفها في الشعر العربي على وجه الخصوص.

مسيرة

يقول الشاعر عبدالله محمد السبب: «الحضارات العربية غنية بالأساطير؛ منها ما تم استثماره شفاهياً، حيث الحكايات التراثية، الفصيحة منها والشعبية؛ كما هو حال حكايات ألف ليلة وليلة بما روته شهرزاد عن نفسها وألقته في مسامع شهريار، وما نجم عن مسيرتها التاريخية من محاكاتها في التراث الشعبي العربي، من الخليج إلى المحيط، حيث المرويات التراثية على لسان الجدات والأمهات، بتغيير أسماء شخصيات الحكايات، وتفاصيل الحكايات نفسها؛ والحكاية، أو الخرّوفة، أو التخروفة، هي جزء لا يتجزأ من الأساطير العربية، التي لم تحظ بالدراسة الفاحصة كما يجب، ولم تحظ بالقراءة النقدية المستفيضة، ولم يتم الاستفادة منها إبداعياً، سواء أكان ذلك في النصوص الإبداعية الشعرية والقصصية والروائية، أم في المسرحيات والأوبريتات، وثمة عدة أساطير ومسميات غريبة الأطوار وباعثة للدهشة والفضول، التي لم تلق الاهتمام، ولم تحظ بالالتفات إليها إبداعياً أدبياً أو بحثياً، سواء من قبل المؤسسات الثقافية، أم من خلال المبدعين أنفسهم على اختلاف الحقول الإبداعية والثقافية التي يتقنونها، وهنا، لابد وأن تكون هنالك رغبة جامحة من قبل الجميع، لأجل أن توثق تلك الأساطير والخرافات في النصوص الإبداعية على اختلاف أشكالها وألوانها ومدارسها، حتى تكون دافعاً ومحرضاً لنصوص نقدية تسلط الضوء على الأساطير وعلى النصوص التي تناولت تلك الأساطير والخرافات العربية على مر التاريخ والجغرافيا؛ من تلك مثلاً أسماء المناطق التي استوطنها الناس منذ آلاف السنين، وأسماء الكائنات المختلفة بحسب البيئات البشرية، البحرية الساحلية منها، والسهلية الزراعية، والجبلية، والصحراوية؛ وكذلك أسماء شخصيات تاريخية، سواء أكانت خيالية أم حقيقية، فالأساطير والخرافات العربية عديدة، وبحاجة إلى بحث وتنقيب وإماطة اللثام عن أسرارها».

موروثات

الدكتور صديق جوهر ناقد وخبير الترجمة في الأرشيف الوطني – أبوظبي، يقول:« تنتقل الأساطير من جيل إلى جيل عبر الحكايات والأشعار والقصص والسرديات التراثية، ويزخر التراث العربي بالعديد من الأساطير ذات الجذور التاريخية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية لأن المنطقة العربية كانت مهداً للأديان الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، علاوة على وجود الأساطير ذات الصلة بالحضارات القديمة التي نشأت في المنطقة مثل الحضارة الفرعونية والسومرية والبابلية وحضارات بلاد الرافدين وحضارات بين النهرين، بالإضافة إلى الحضارة الفارسية والموروثات الميثولوجية الأخرى المتغلغلة في الأساطير العربية الوثنية التي كانت منتشرة في مرحلة الجاهلية فضلاً عن الأساطير المهيمنة على التراث الشعبي في كافة أرجاء الوطن العربي، في الثقافة العربية تختلط الأساطير بالخرافات الشعبية الموروثة فلا توجد حدود بين قصص ألف ليلة وليلة الأسطورية والحكايات التي أفرزها الخيال الشعبي العربي، على ذات المنوال لا يدرك غالبية القراء العرب أوجه التشابه والاختلاف بين أساطير البعث والحساب التي وردت في اللاهوت المسيحي أو الموروثات التوراتية عن العلاقة بين البشر والآلهة ومثيلاتها مما ذُكر في مخطوطات البردي الفرعونية عن الموت والبعث مثل أسطورة (ست وإيزيس) وما شابه ذلك من أساطير النماء في التراث الميثولوجي السومري أو الفينيقي».

ويضيف الدكتور جوهر:«على عكس الباحثين الغربيين الذين اهتموا بدراسة الموروثات الأسطورية الشرق أوسطية كما جاء في موسوعة (الغصن الذهبي) من تأليف جيمس فريزر أو كتاب جيسي جاكسون (من الطقوس إلى الرومانسية)، لم يهتم الباحثون العرب بقضايا الميثولوجيا إلا على نطاق ضيق لأسباب واهية منها ما يتعلق ببعض التقاليد الثقافية المتشددة التي اعتبرت التعمق في دراسة الأساطير جزءاً من التابوهات والمحرمات، ولكن على المستوى الرمزي تم توظيف الأساطير في الأدب العربي خاصة في الشعر مثل استخدام أمل دنقل لأسطورة (زرقاء اليمامة) في إحدى قصائده الشهيرة، كذلك استخدمت أسطورة (تموز) ذات الأصول السومرية وأسطورة (عشتار) البابلية وأسطورة (العنقاء) وغيرها من الأساطير في سياقات سياسية في قصائد الشعراء العرب مثل خليل حاوي ويوسف الخال وأدونيس والسياب، وتم اللجوء إلى استخدام الأسطورة التموزية التي تتناول قضية البعث بعد الموت بغزارة في الشعر العربي في أعقاب نكسة حرب 1967 كتعبير عن أمل الشعراء في بعث عربي جديد يسترد الأرض ويعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها».

خيال منفلت

الدكتور شعبان بدير ناقد وأكاديمي، يقول:« للعرب أساطيرهم التي لا تقل في قيمتها وبعدها الغرائبي والعجائبي عن مثيلاتها من الأساطير الغربية، ولقد غلب على العربي التصور أو الخيال التصوري فتسلط ذلك على حياته العقلية، وهذا الخيال التصوري يولد الأسطورة لديه، فربط حياته في الصحراء بالسماء ونجومها وكواكبها، وأقام تماثيل يصور بها قيمه وعاداته، ومن الأساطير العربية التي راجت في الجاهلية واستقصتها المؤلفات المثيولوجية، تقديسهم للحيوانات والتسمية بأسمائها مثل (بنو ضب، بنو بدن، بنو كلب، بنو بكر،....)، وهذا نوع من الطوطمية، وكانوا يتفاءلون بالطير وبنباح الكلاب ويتشاءمون من الثور الأعضب (وهو المكسور القرن) ومن الغراب، كما قيل «أشأم من غراب البين»، وقد وظفت هذه الأساطير في الشعر الجاهلي والإسلامي الذي وضع أمامنا تراثاً أسطورياً يستحق الدراسة الجادة فنلتقي فيها بالبطل الأسطوري والساحر المارد، ونقرأ عن أسجاع الكهان الدينية وعن شداد عاد المتمرد وغيرها».

ويلفت إلى أن الأساطير والخرافات العربية حقل خصب لدراسة التفكير البشري في أطواره البدائية، وقد قام المستشرقون الغربيون بكثير من هذه الدراسات وقدموا الكثير من التحليلات الاجتماعية والفلسفية والدينية، بل إن الأساطير العربية كان لها تأثيرها على شعراء الغرب الذين استلهموها في قصائدهم مثل قصيدة جابر للشاعر الإنجليزي«وولتر سافج لاندرو» وقصيدة ثعلبة المدمر للشاعر«روبرت ساوثي» وكذلك برع الشاعر الرومانتيكي«كولوردج» في توظيف العنصر الأسطوري الشرقي.

ويؤكد أن النقد لا يزال قاصراً؛ لأنه ليس له منهج محدد الرؤى ينطلق من طبيعة الأسطورة ذاتها وأبعاد توظيفها، مما أدى إلى تشتت الرؤى بين عدة جوانب بعضها اجتماعي واقعي تربط بين الأسطورة ومواقف الشاعر الاجتماعية والحياتية، وبعضها ينبعث من قضية «الموت والانبعاث» التي تتمحور حولها الأسطورة وقضايا البعث الحضاري والاجتماعي التي تشغل الشاعر العربي، مما جعل الأسطورة تبدو وكأنها مجرد رمز لتصوير هذه القضايا، مما يفتح المجال للبحث في رؤى جديدة ومعاصرة للنقد في تعاطيه مع الأسطورة.

بين التنظير والتطبيق

الدكتور أحمد عقيلي ناقد وأكاديمي، يقول:« من الضرورة بمكان وقبل الحديث عن واقع الأساطير العربية في الدراسات النقدية العربية الحديثة أن نقف على ماهية الأسطورة ومفهومها، حيث ورد مفهوم الأسطورة في معظم المراجع والمعاجم بأنها: مجموعة من الاعتقادات القديمة التي كانت العرب تعتقد بوجودها وتؤمن بها، وذلك في حقبة ما قبل الإسلام، فقد امتلأت برموز كثيرة لأنصاف الآلهة، والعفاريت والجن، وبأشكال مختلفة، كما مثّلت هذه الأسطورة علاقتهم بالكائنات والعوالم الأخرى، إضافة إلى آرائهم في الحياة، ومشاهداتهم لها، فكانت مصدراً لأفكارهم، ولعلها كانت ملهمتهم لنظم الشعر والأدب، ولهذا كان من الضرورة بمكان أن تخضع هذه الأساطير العربية للدراسات النقدية، ومن الجدير ذكره أن كثيراً من النقاد العرب انكبّوا على تتبع الأسطورة وإرهاصاتها في الشعر العربي ابتداء بالشعر الجاهلي، ثم شعر صدر الإسلام، وصولاً إلى الشعر الحديث، ولعلنا نرى معظم هذه الدراسات تركز على قضية الموت والبعث، والارتحال في عوالم الخيال المختلفة كما في شخصية السندباد البحري، وشخصية عشتار، وغيرها من الشخصيات الخرافية والعجائبية، حيث تحاول هذه الدراسات في مجملها أن تحلّل وجود هذه الأساطير في النص الشعري وتستخلص منها الآثار الوجدانية والإنسانية التي يتركها توظيف الأسطورة في الشعر، سواء على صعيد المضمون أو الرمز أو الإيحاء».

ويتابع الدكتور عقيلي:« إن الدراسات النقدية العربية للملمح الأسطوري في الشعر العربي لم تقتصر على الجانب العربي فحسب، بل راحت تجري مقارنات بالأساطير الغربية، في محاولة للوقوف على جانب التأثر والتأثير فيما بينها، فتلك الدراسات والمحاولات لها أهميتها وقيمتها الفكرية والأدبية، أن الباحث يجد من الضرورة بمكان أن نتعمق أكثر في الوقوف على الجانب النفسي والميتافيزيقي لهذه الأساطير وتوظيفها في الشعر العربي على وجه الخصوص، للوصول إلى الإجابة عن سؤال مهم لطالما دار في أذهان قرّاء الشعر والمهتمين به، وهو: ماهي الأسباب والدوافع النفسية الخفية التي حفزت الشعراء على استخدام الأسطورة وتوظيفها في نتاجهم الشعري، وهل من علاقة بين هذا التوظيف واللاشعور الجمعي لديهم؟ وعندما نجيب عن هذا السؤال نكون قد خطونا في الطريق الصحيح نحو الفهم الصحيح لوجود الأسطورة والخرافة والعجائبي في شعرنا العربي».

جمال آخر

الكاتبة سناء أبو هلال، تقول: الأساطير العربية لم تدرس بطريقة علمية صحيحة ويعود ذلك إلى عدم كتابة التاريخ العربي القديم بشكل يصل إلى القارئ العربي ليقدم فيه نقداً أدبياً وعلمياً مميزاً، ومعظم ما وصل كان عن طريق تناقل الأخبار القليلة وعن طريق بعض النقوش على الحجارة، فالعرب لم يتوسعوا في النقد الأدبي للأساطير والخرافات لكنهم أبدعوا في تقديم دراسات نقدية في شعر الشعراء العرب في الجاهلية الذين كانوا يستخدمون حكايات وخرافات وأساطير أضافت إلى قصائدهم نوعاً من جمال آخر يعتريه الغموض أحياناً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"