ثقافة في الخمسين

23:24 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

خمسون عاماً أمضتها الإمارات في نسج مشروعها الثقافي الطموح، من أجل الدخول إلى العالم والانخراط ضمن المجتمعات الحديثة، بدون التخلي عن حرصها على تعزيز الثقافة الوطنية والمحافظة على هويتها بين عشرات الثقافات والهويات المتمازجة فوق أرضها. وأصبحت الإمارات العربية المتحدة تتبوأ مراكز عالمية، بدون التخلي عن ثقافتها واعتزازها بعناصر هويتها التي تطورت ولم تتغير، مع وجود العديد من الثقافات والجنسيات التي تعيش على أرضها، وكان يمكن لمثل هذا الحشد الثقافي الكبير، أن يعرضها لتأثيرات ثقافية عديدة تغير الكثير مما لا يجب تغييره.

وليس سراً أن الثقافة الغربية تنجح في اختراق المجتمعات بسهولة، من خلال التأثير في الشباب أولاً، لكن الفكر القيادي في الإمارات تمكن من وضع استراتيجية حكيمة للتقليل من حدة هذا التأثير، من خلال حصر الثقافة الغربية في ما ينبغي الاستفادة منه، والذي لن يقف حجر عثرة أمام جهود الوصول إلى التطور المستمر بدون التخلي عن الثقافة والقيم الوطنية، من خلال إعطاء الشباب مسؤولية أكبر تجاه مجتمعهم وهويتهم وثقافتهم.

وتجلى الفكر القيادي الحكيم منذ البداية في تأسيس وزارتي التربية والتعليم والثقافة والإعلام، لتكونا من أوائل الوزارات الاتحادية التي تدرك أهمية دورها في غرس جذور الثقافة ومسؤولياتها تجاه تنمية المجتمع، والمساهمة في حراكه الثقافي من سن مبكرة، فالزرع يبدأ من البذرة، وكلما كان باكراً كان الحصاد أفضل وأشد رسوخاً.

ونظرة سريعة على مشاريع أساسية أخرى في أكثر من مجال ثقافي، تحكي الكثير عن سمات الفكر الإماراتي المدرك بأن غرس القيم الثقافية بين الشباب هو ما يثمر في حفظ الهوية، فهؤلاء هم الأشخاص الذين نشأوا في ظروف التطور السريع للتقنيات والإنترنت، واستفادتهم من التقدم التكنولوجي يجب أن تكون في الوصول إلى معنى الثقافة وقيمة التراث الثقافي العالمي، والتركيز على نشر الأعمال المحلية والأفكار التي تعكس تطلعاتهم الطموحة عالمياً، بدون التخلي عن العمل من أجل المحافظة على ثقافة وطنهم، والبقاء ضمن مكوناتها المؤثرة عاطفياً في زيادة الشعور بالانتماء والارتباط بالوطن.

ورغم افتراضات قدرة الثقافة الغربية على تغيير الثقافات المحلية، توضح دراسة أسترالية منشورة في المجلة الدولية للإدارة عبر الثقافات اتخذت من الإمارات نموذجاً، كيف جعلت الإمارات ثقافات فريدة غير متجانسة تتقارب مع الهوية الإماراتية بقيم التسامح والثقة اللذين يتم تطويرهما بشكل سريع في هذا المجتمع المتنوع، وبأن الهوية الإماراتية أقرب لاحتياجات الفرد للتكيف معها بدلاً من الرغبة في السعي إلى تغييرها. وتقدّم الدراسة دليلاً على مبالغات بعض المؤلفات التجارية في نصح المغتربين الغربيين بالاستعداد للصدمة الثقافية في الخارج، من خلال البيانات التي جمعتها من مقيمين غربيين، لا يرون حاجة كبيرة إلى تعديل قيمهم في الإمارات العربية المتحدة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"