القضيتان الرئيسيتان في «كوب26»

21:42 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

بعيداً عن التعهدات (Pledges) التي أعلنها العديد من الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس للمناخ، سواءً قبل أو أثناء انعقاد مؤتمر الأطراف في دورته السادسة والعشرين (COP-26) الذي انتهى للتو في جلاسكو الاسكتلندية (من 31 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2021)، بخفض انبعاثاتها عبر آلية صفر صافي انبعاثات (وهي آلية مرنة لا تعالج مشكلة الانبعاثات في المصدر، بقدر ما تستهدف تعويض الانبعاثات بما يوازيها من تخفيض في مواقع ومشاريع أخرى) – فإن أهم قضيتين محوريتين في جلسات أعمال ومخرجات هذا المؤتمر الذي دشن بداية تنفيذ اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، هما:

(1) الوقود الأحفوري الذي تم تخفيف العبارة الخاصة به في ميثاق جلاسكو للمناخ، من «التخلص التدريجي» (Phasing out) من الوقود الأحفوري، كما كان مقترَحاً في الأصل، إلى عبارة «التقليل التدريجي» (Phasing down) منه. والحال أن الهند والصين كانتا قد سبقتا ميثاق جلاسكو باستخدام عبارة التخفيف التدريجي في التعاطي مع الفحم تحديداً وليس السلسلة الكاملة من الوقود الأحفوري. وكان رأي الهند أن تركيز الاهتمام على «التخلص التدريجي» من الفحم، من شأنه أن يؤثر في تنمية دول نامية عديدة، من بينها الهند التي تعتمد على الفحم في توليد 62.6% من الطاقة بحسب وزير الطاقة والطاقة الجديدة والمتجددة الهندي راج كومار سينغ. وقد تم التوصل إلى هذه «الصفقة» (التقليل التدريجي بدلاً من التخلص التدريجي) بين الولايات المتحدة والصين خلف الكواليس، حيث تعتمد الصين على طاقة الفحم بحوالي 70-80% من طاقتها، 45% منها لاستخدام القطاع الصناعي والباقي يستخدم لتوليد الكهرباء. فيما تبلغ حصة الفحم في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة حوالي 20%. وكان أن أدى الاهتمام الصريح بالفحم إلى إخفاء اعتماد الكثير من دول العالم المتقدم على النفط والغاز المتهمين الآخرين، بالإضافة إلى الفحم، بالمسؤولية عن معظم الانبعاثات. وينطبق هذا بصورة خاصة على دول أوروبا التي ركزت على الفحم واستثنت النفط والغاز لأنها تعتمد اعتماداً كلياً على وارداتها من النفط والغاز.

(2) التمويل الذي وضع في آخر قائمة جدول أعمال المؤتمر الذي استمر أسبوعين (31 أكتوبر إلى 13 نوفمبر)، وتمت مناقشة موضوعه في اليوم الأخير من المؤتمر. ويتضح من مناقشات ومخرجات المؤتمر بهذا الخصوص، أن كثيراً من التعهدات التي أطلقت لن تجد طريقها للتنفيذ، لأن تنفيذها يعتمد على التمويل. وهذا الموضوع، من واقع جميع مؤتمرات الأطراف السابقة، هو الموضوع الذي لا تدانيه الدول المتقدمة، المسؤولة عن تأمين مدفوعاته استناداً إلى تلويثها التاريخي التراكمي، وإلى مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة المنصوص عليه في كافة اتفاقيات المناخ وعلى رأسها الاتفاقية الأم، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ UNFCCC. وهي حتى اليوم فشلت في تأمين مبلغ ال 100 مليار دولار الذي كانت تعهدت بدفعه بحلول 2020، في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في كوبنهاغن عام 2009، والذي لن تتم تغطيته قبل 2023. وتقول الدول النامية إن جزءاً كبيراً من الأرقام المعلنة لا تعدو أن تكون التزامات أكثر منها تدفقات مدفوعة فعلياً.

والسبب الآخر هو أن هذه الأرقام مضخمة بسبب «تلغيمها» بمبالغ تمويل برامج تنموية تم احتسابها على أنها تمويل للمناخ. وقد انتقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الدول الغنية لما اعتبره فشلها الجماعي في تحقيق هدف تمويل المناخ البالغ 100 مليار دولار في عام 2020، وطالبها بدفع تريليون دولار لتمويل المناخ في أقرب وقت ممكن، إضافة إلى نقلها للتكنولوجيا منخفضة الكربون للبلدان النامية. وهذا يعني أن الالتزامات التي قطعتها الهند بالنسبة للتقليل التدريجي لاستخدام الفحم، مشروطة بالتمويل من جانب الدول الغنية.

كما أن الدول المتقدمة، لاسيما الأوروبية ترفض مقاربة إدراج «الخسائر والأضرار» (الناتجة عن آثار التغير المناخي) ضمن قائمة مواضيع التمويل إلى جانب التخفيف والتكيف، بسبب ما يترتب على ذلك من التزامات مالية. ورغم نجاح الدول النامية أخيراً في فرضه كقضية مناخية أساسية، إلا أنها فشلت في دفع الدول المتقدمة للموافقة على إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية المتضررة من أعاصير وسيول الكوارث الطبيعية الأخرى التي تتعرض لها جراء التغير المناخي. فكان أن ضاعت على الدول النامية وخصوصاً الدول النامية الجزرية الصغيرة

(Small Island Developing States – SIDS)، المنخفضة عن مستويات سطح البحر مثل جمهورية جزر مارشال (تقع في المحيط الهادئ الغربي، مساحتها 181.43 كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي 100 ألف نسمة)، وجمهورية جزر فيجي (تقع في الجزء الجنوبي من المحيط الهادئ، مساحتها 18,274 كيلومتر مربع، وعدد سكانها أقل بقليل من مليون نسمة)؛ ودولة أنتيغوا وبربودا (جزيرة تقع في منطقة الكاريبي، مساحتها 281 كيلومتراً وعدد سكانها حوالي 90 ألف نسمة)، التي تخشى فقدان الكثير من أراضيها بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، والتي عبرت خلال المؤتمر عن انزعاجها وامتعاضها من رفض الدول الغنية مقترح إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الذي طالبت به. لكنها عازمة على انتزاع هذا الحق في مؤتمر الأطراف القادم في القاهرة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"