عادي
كان حلم زايد وراشد وأضحى واقعاً متفرداً

«عرقوب السديرة».. ميلاد دولة المستقبل

20:28 مساء
قراءة 8 دقائق
Video Url

عيد الاتحاد الخمسون: جيهان شعيب

في يوم 18 فبراير/ شباط من عام 1968، حدثت الانطلاقة الكبرى، التي مهدت لقيام اتحاد الإمارات أرض زايد الخير؛ حيث شهدت منطقة عرقوب السديرة القريبة من السميح على طريق دبي- أبوظبي، اجتماعاً تاريخياً بين الشيخين الكبيرين الراحلين زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما وإعلان اتحاد يضم إمارتي أبوظبي ودبي، كبداية تمهيدية، لقيام اتحاد النهضة، والتكامل، بجمع عرى الإمارات التي كانت متفرقة، لتصبح دولة الإمارات العربية المتحدة، بلد القلب الواحد، والكيان المتلاحم، والترابط الوثيق.

جاء في نص الاتفاقية التي وقعها حاكم إمارة أبوظبي آنذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفقاً لما نشره الأرشيف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، ما يلي:

«إن صاحب العظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي، وأخاه صاحب العظمة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، في سبيل المحافظة على استقرار بلديهما، وسعياً وراء خير شعبهما ورفاهيته، وتحقيقاً للمستقبل الأفضل، فقد اتفقا بعونه تعالى على ما يلي: تكوين اتحاد يضم البلدين يكون له علم واحد، وتناط بالاتحاد المسائل الآتية: الشؤون الخارجية، والدفاع والأمن الداخلي في حالة الضرورة، والتعليم والصحة، والجنسية والهجرة».

كما تناط بالاتحاد السلطة التشريعية في الشؤون الموكلة للاتحاد، بموجب هذا الاتفاق وفي المسائل الأخرى المشتركة بين البلدين، والشؤون التي لم توكل للاتحاد بموجب هذا الاتفاق تظل كما كانت من اختصاص حكومة كل بلد.

وتم توقيع اتفاقية اتحاد إمارتي أبوظبي ودبي يوم الأحد الواقع في 18 فبراير (شباط) سنة 1968 الموافق 20 ذو القعدة سنة 1387 ه، بحضور الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، والشيخ حمدان بن محمد آل نهيان.

فرحة سنوية لا تماثلها أخرى تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة «إمارات المستقبل الدائم» في احتفائها بذكرى قيام اتحادها عام 1971، عندما بزغ فجر دولة الإمارات الجديد في لحظة تاريخية دونت بحروف من ذهب، في سجل تاريخ دولة تأسست من الصحراء، ووصلت اليوم إلى الفضاء، بلد لم يعرف المستحيل، ولم تضعفه الصعاب، أو تشتته المشاق، فمن مجرد إمارات صغيرة كانت خاضعة لحكم بريطانيا، أصبح الاتحاد قوة وسيادة لا يستهان بها في العالم أجمع، فمنذ يومه الأول قرر تحقيق التميز، وليس بلوغ النجاح فقط، وكان أن تحول إلى كيان دولة لا يضاهيها سواه، فواقعها متفرد في جوانبه ككل، وفكرها الريادي يترجم إلى خطط، وأهداف، وإنجازات، ولاتزال الإمارات في انطلاقها مستمرة، ولغاياتها ساعيه، وفي بروزها، وتسيدها مجالات الحياة كافة مشهودة، ودونما مقارنة بأي من الدول، أضحت الأولى بجدارة، في تقدمها، وازدهارها، ونهضتها.

بعودة الذاكرة إلى واقع الإمارات قبيل قيام الاتحاد، الذي تحقق بإصرار، وتصميم، من فكر حكيم سبق عصره، للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، نجد أن الإمارات قبل تأسيس الاتحاد كانت تُعرف بالإمارات المتصالحة، وتولى حكمها سبعة شيوخ هم: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، والشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، والشيخ راشد بن حميد النعيمي حاكم عجمان، والشيخ أحمد بن راشد المعلا حاكم أم القيوين، والشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة، والشيخ محمد بن حمد الشرقي حاكم الفجيرة، وفي عام 1892، وقع حُكّام الإمارات اتفاقية مع الحكومة البريطانية التي سيطرت على منطقة الخليج العربي آنذاك، وأصبحت الإمارات بموجب هذه الاتفاقية محمية بريطانية تتولى بريطانيا مسؤولية الدفاع عنها براً وبحراً.

أول بئر نفطية

واستغلت بريطانيا ذلك في إحكام سيطرتها على المنطقة، بعد خوضها صراعات كثيرة لزيادة نفوذها، وفي عام 1958 اكتُشف النفط للمرة الأولى في الإمارات، وتحديداً في إمارة أبوظبي، فيما كان استغرق البحث عن أول بئر نفطية مدة 30 عاماً، وبعد ذلك تم اكتشاف المزيد من الآبار النفطية في مختلف مناطق الإمارات، فسارع الشيخ زايد إلى إنشاء شركة بترول أبوظبي الوطنية، وازدهر اقتصاد المنطقة، إلا أنه وبمرور الوقت، بدأت شوكة بريطانيا تضعف في المنطقة، وأعلنت في عام 1968 عن نيتها بالانسحاب من جميع مستعمراتها ومحمياتها في الشرق الأوسط، بما كان من الممكن أن يسبب خللاً سياسياً، واستراتيجياً في المنطقة، وحينذاك تبلورت فكرة الاتحاد.

لقاء السميح

رأى الشيخ زايد حاكم أبوظبي وقتذاك تعزيز الروابط بين الإمارات، بتشكيل اتحاد يجعل منها دولة قوية، لا تخضع لسيطرة أي دولة خارجية، فاجتمع بالشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، وعرض عليه موضوع تشكيل الاتحاد، وعقدا اجتماعاً في قرية السميح الحدودية أو «سيح السدرة» في 18 فبراير/ شباط 1968؛ حيث اتفقا على أن أفضل السبل أن يقوم اتحاد بينهما، وأن يقوما بدعوة الإمارات الخليجية إلى هذا الاتحاد، وتحقق ذلك بالفعل، ووجهت الدعوة إلى إمارتي قطر والبحرين، إلى جانب الإمارات السبع، وعقد اجتماع في دبي، لبحث مسألة إنشاء اتحاد بينهم، وتمخض عنه صياغة اتفاقية من 11 بنداً أساسها إنشاء اتحاد الإمارات العربية، ووافق الجميع على أن تشكل لجنة لدراسة الدستور المقترح لتنظيم الدولة، وتسيير أمورها.

توثيق العلاقات

ونصت الاتفاقية على أن الهدف من تشكيل الاتحاد يتمثل في توثيق العلاقات بين الدول الأعضاء في جميع المجالات، وتوحيد سياساتها الخارجية، وتمثيلها في الشؤون، والمحافل الدولية السياسية، والاقتصادية، والثقافية وغيرها، علاوة على البحث في تنسيق خطط تنمية دول الاتحاد، وازدهارها، وتعزيز احترام استقلال كل دولة وسيادتها، كما نصت الاتفاقية على مسؤولية المجلس الأعلى في إصدار القوانين الاتحادية اللازمة، وأنه سيكون السلطة العليا في البت في المسائل المرجعية، واتخاذ جميع قراراته بالإجماع.

اجتماع دبي

ومن ثم عقد اجتماع دبي الثاني، عقب اجتماع دبي الأول، عام 1968، استمرت الجهود المبذولة نحو قيام الاتحاد، والعمل بنصوص الاتفاقية، واتخاذها قاعدة لتشكيل هيكل الاتحاد دستورياً، وشرعياً، يضم تسع إمارات، وخلال تلك الفترة، عُقد العديد من الاجتماعات، وجرى البت في القضايا الرئيسية التي تناولها المجلس الأعلى للحكّام خلال اجتماعاته، علاوة على إجراء مناقشات رسمية بخصوص تعيين الإداريين والمستشارين، إلا أن الأمر لم يسر بداية كما خطط له الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد؛ حيث أعلنت كل من قطر والبحرين استقلالهما، وأعلنتا عن سيادة كل منهما على أراضيها، ومن ثم نالت كل دولة منهما الاعترافات العربية والدولية، وهنا حاول ثانية كل من الشيخ زايد والشيخ راشد، ضم الإمارات السبع إلى بعضها، ولم تنجح محاولتهما لظهور خلافات حول أمور، أبرزها موقع عاصمة الاتحاد، وكيفية تمثيل الإمارات الأعضاء في مجلس الاتحاد، فحاولا من جديد، وكان أن اجتمعا وقررا أن يشكلا اتحاداً بين دبي وأبوظبي، وكلفا عدي البيطار المستشار القانوني لحكومة دبي بكتابة الدستور، وعند إتمامه، تتم دعوة حكام الإمارات الباقية للاجتماع، وفيه يقررون الانضمام إليه إذا أرادوا.

قيام الاتحاد

وفي مساء يوم 1 ديسمبر عام 1971 أقر دستور الإمارات الاتحادي بشكل مبدئي، وفي صباح اليوم التالي الخميس 2 ديسمبر، اجتمع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، والشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة، والشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، والشيخ محمد الشرقي حاكم الفجيرة، والشيخ أحمد المعلا حاكم أم القيوين، والشيخ راشد بن حميد النعيمي حاكم عجمان، في قصر الضيافة في دبي، ووافق أربعة من حكام الإمارات مشاركة إمارتي أبوظبي ودبي في الاتحاد، في حين تردد حاكم رأس الخيمة في حينها، في شأن الانضمام إلى الاتحاد، ووقع حكام أبوظبي، ودبي، والشارقة، والفجيرة، وأم القيوين، وعجمان، على الدستور، مانحين الشرعية لقيام الاتحاد بينهم، والاستقلال عن بريطانيا؛ حيث في 18 يوليو 1971 قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، وهي أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم أُجريت بعض التعديلات على الدستور المؤقت، فوافق المجلس الأعلى للاتحاد خلال اجتماع عُقد في 20 مايو 1996، على جعل المؤقت المُعدّل، دستوراً دائماً، وعُيّنت أبوظبي عاصمة للدولة.

تأسيس الدولة

وفي 2 ديسمبر 1971 تمّ الإعلان رسمياً عن تأسيس دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة، ومن ثم في العاشر من فبراير عام 1972 أعلنت إمارة رأس الخيمة انضمامها للاتحاد، وبذلك اكتمل ضم جميع الإمارات السبع، وعُرِفت الدولة الاتحادية حديثة العهد رسمياً باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، وخرج أحمد خليفة السويدي - مستشار الشيخ زايد، وقد عين وزيراً للخارجية في أول تشكيل وزاري للدولة - ليعلن أمام رجال الإعلام عن قيام الاتحاد، ورفع علم الدولة في قصر الضيافة بدبي، الذي يعرف اليوم باسم «بيت الاتحاد»، وانتخب الشيخ زايد رئيساً للاتحاد، والشيخ راشد نائباً لرئيس الاتحاد.

أهمية رئيسية

وتركزت الأهمية الرئيسية من تشكيل اتحاد الإمارات في المحافظة على استقلال الإمارات، وسيادتها، وتعزيز وجودها في المحافل الدولية، وحماية أمن دولة الاتحاد، واستقراراها، والدفاع عنها ضد أي اعتداء، وحماية حقوق شعب الاتحاد وحرياته، وتحقيق تعاون وثيق بين الإمارات، بما يعود بالنفع المشترك على الاتحاد، وتعزيز ازدهار الاتحاد وتقدمه، وتوفير حياة أفضل لجميع المواطنين، واحترام استقلال وسيادة الإمارات الأخرى، في ما يتعلق بشؤونها الداخلية في إطار الدستور، فيما كانت هناك العديد من التحديات التي واجهت تشكيل اتحاد الإمارات، ومنها التدخل البريطاني في المنطقة بموجب الاتفاقية المُوقّعة عام 1892، والتي منعت الإمارات من التصرف بأراضيها كما تريد دون موافقة بريطانيا، إلى جانب انسحاب كل من قطر والبحرين من تشكيل الاتحاد، بسبب الخلافات والتعقيدات حول امتلاك بعض الجزر.

علاوة على تردد حاكم رأس الخيمة بالانضمام إلى الاتحاد في بادئ الأمر، إلى جانب الحروب التي شهدتها المنطقة عقب تشكيل الاتحاد، والتي أثرت في وجوده، ومنها الحرب العراقية الإيرانية خلال الفترة 1980-1988، وغزو العراق للكويت عام 1991، والحرب التي قادتها الولايات المتحدة عام 2003 في العراق، فيما يذكر هنا أنه سبق أن أعرب الشيخ زايد عن رغبته بقيام وحدة بين الإمارات؛ وذلك خلال اجتماع مع الحُكّام الآخرين في عام 1906، إلا أن الظروف السياسية، والاقتصادية، المحيطة بالمنطقة، والمتمثلة بخضوع الإمارات للحماية البريطانية وتدهور اقتصاد الدولة، قبيل اكتشاف النفط، حالت دون إنجاح هذه الفكرة في حينها.

الموقع والمساحة

تقع دولة الإمارات العربية المتحدة في الجزء الجنوبي الغربي من القارة الآسيوية، شرقي شبه الجزيرة العربية على شاطئ الخليج العربي الجنوبي، وتعد أبوظبي عاصمتها، وتبلغ المساحة الإجمالية لها نحو 83600 كيلومتر، فيما يبلغ العدد الكلي لسكانها وفق إحصاءات عام 2010 ما يقارب 8264070 نسمة؛ حيث شكل المواطنون ما نسبته 16% أي ما يقارب 980 ألف مواطن، وبلغ عدد المقيمين نحو 7.32 مليون نسمة.

وتشترك دولة الإمارات في الحدود مع العديد من الدول المجاورة؛ حيث من الجهة الشمالية الغربية تشترك مع دولة قطر، ومن الجهة الغربية تشترك بالحدود البرية، والبحرية مع المملكة العربية السعودية، ومن الجهة الجنوبية الغربية تشترك مع سلطنة عُمان، وكانت الإمارات قديماً تُعرف باسم الإمارات المتصالحة أو ساحل عُمان، وتعود أصل التسمية الحالية إلى الإمارات السبع (إمارة أبوظبي، وإمارة دبي، وإمارة الشارقة، وإمارة رأس الخيمة، وإمارة الفجيرة، وإمارة القيوين، وإمارة عجمان) والتي اتحدت في ما بينها مكوّنة دولة الإمارات.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"